للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتريد) وقد أذنت لك، فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر صب الماء، ثم قام يصلى فقرأ من القرآن، وجعل يبكى حتى بلت الدموع حقويه، ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه، وجعل يبكى، ثم رفع يديه فجعل يبكى حتى رأيت دموعه قد بلت الأرض، فأتاه بلال ليؤذن بصلاة الغداة فرآه يبكى فقال له: يا رسول الله: أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا؟! ثم قال: وما لي لا أبكى؟ وقد أنزل الله علىّ في هذه الليلة: إن في خلق السموات والأرض. ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها.

وأولوا العقول والأرواح الطيبة هم الذين ينظرون إلى السماء والأرض وما فيهما فيذكرون الله ويذكرون نعمه وفضله على العالم في كل حال من قيام وقعود واجتماع ذكر بالقلب حتى يطمئن أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [سورة الرعد آية ٢٨] ثم يتبعون ذكر الله بالتفكير في بديع صنعه وأسرار خلقه وما في هذه العوالم من منافع وحكم وأسرار تدل على كمال العلم وتمام القدرة والوحدانية التامة في الذات والصفات والأفعال.

والمراد التفكر في خلق الله لا في ذات، الله، فقد ورد «تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق» ومع التفكر اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا، وما حال هؤلاء الذين يجمعون بين التذكر والتفكير؟ يقولون باللسان وقلبهم بين الخوف والرجاء: ربنا ما خلقت هذا الكون باطلا وما خلقت هذا الخلق عبثا أو كمّا مهملا! بل لا بد لهذا الخلق من نهاية يأخذ المطيع والعاصي جزاءه إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وإذا كان كذلك فقنا يا ربنا واصرف عنا عذاب النار بعنايتك وتوفيقك لنا. واجعلنا مع الأبرار بهدايتك ورحمتك يا أرحم الراحمين، ثم إنهم بعد أن يصلوا بالفكر والذكر إلى حقيقة هذا العالم ومآله وقد دعوا ربهم أن يقيهم عذاب جهنم في الحياة الثانية يقولون متضرعين: ربنا إنك من تدخله النار فقد أهنته وأخزيته لأن من يعصيك فأنت قاهره ومذلّه، وكيف لا وقد سخرت هذا العالم وأخضعته لكمال قدرتك وعظيم إرادتك، فمن عاداك فلا ملجأ منك إلا إليك، وليس له شفيع أو نصير، وما للظالمين من أنصار!! وقد وصف من يدخل النار بأنه يستحق هذا لظلمه وتجاوزه الحد المعقول، هذا ما نتجه الفكر والنظر الصحيح في الكون وما فيه.

وأما السمع فحينما سمعوا نداء الرسل الكرام قالوا: ربنا إننا سمعنا رسولا ينادى

<<  <  ج: ص:  >  >>