للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى:]

جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس الذين يسكنونها، حيث يجلب إليهم الخيرات، ويرزقهم من الثمرات ويجعل قلوب الناس تهوى إليهم، وتعطف عليهم وبذلك يقوم أمرهم، ويصلح شأنهم، وكذا من حج إليها واعتمر يجدون فيها الخير والسعادة، والراحة والطمأنينة، وكل ذلك إجابة لدعاء إبراهيم- عليه السلام-:

رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [ابراهيم ٣٧] .

وجعلها الله قياما للناس في أمر دينهم المهذّب لأخلاقهم المزكّى لأنفسهم، أليست مكان الحج الذي هو ركن من أركان الدين؟ فيه يعقد المؤتمر العام للمسلمين الذين يهرعون إليه من كل فج عميق كبارهم وزعماؤهم. وأغنياؤهم، يتباحثون ويقفون على أمور دينهم، وتنبعث القوة في نفوسهم، ويتجدد الإسلام في أعماقهم، وتتأكد الرابطة بينهم إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ «١» وجعل الله الشهر الحرام قياما للناس كذلك فهو مثابة للناس وأمن في الجاهلية والإسلام، فيه يأمنون على أنفسهم وتجارتهم وأموالهم، فيه يلقى السلاح، وتهدأ النفوس، وتسكن الفتن، وتخمد نار الحرب المستعرة، ألست معى في أنه قيام للناس؟ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ «٢» وكان الهدى والقلائد قياما للناس فمن بذلها قوّمت له دينه، وكفرت عن ذنبه، وطهرت له نفسه، وزكّت ماله، وجعلته آمنا على نفسه وهي عند من يأخذها قوام حياته.

كل ذلك لتعلموا أن هذه الأمور لحكم، الله يعلمها، ولا يمكن أن تصدر إلا من عالم بما في السموات وما في الأرض، وأنه بكل شيء عليم.

والناظر إلى الحج يجده دعامة من أقوى الدعائم للإسلام، يعرفه الغربيون ويعرفون أثره في نفوس المسلمين، وما يحصل بسببه من تقوية أواصر الصلات، وإذكاء روح الدين بين المؤمنين.


(١) سورة الحجرات آية ١٠.
(٢) سورة العنكبوت آية ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>