للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذنب كأنه لثقله على صاحبه كالحمل الذي يثقل ظهره. لَعِبٌ: هو العمل الذي لا يقصد به جلب نفع أو دفع ضر. لَهْوٌ: ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه.

[المعنى:]

هؤلاء المشركون أمرهم عجيب حقا، فإنك تراهم في الدنيا يكفرون بالقرآن والنبي صلّى الله عليه وسلّم ويستهزئون به وبدينه، ولا يؤمنون بالبعث وتوابعه ويفاخرون بذلك، ولو ترى إذ يقفون على النار حتى يعاينوا ويطلعوا عليها ويتبينوها أو يدخلوها فيعرفون كنهها ويتلظون بنارها. لرأيت شيئا عجيبا تقف العبارة دون وصفه.. وهم إذ وقفوا عليها وظنوا أنهم مواقعوها حتما. قالوا: يا ليتنا نرد إلى الدنيا ولا نكذب بهذه النار وما يتبعها من أمور البعث والجزاء أو لا نكذب بأية آية من آيات ربنا، ونكون من المؤمنين بالله المصدقين برسله وآياته (بل) إضراب إبطالى لهذا التمني السابق على معنى (لا) لا. ليسوا صادقين في هذا التمني والرغبة في الإيمان أصلا، بل لأنهم ظهر لهم وبدا ما كانوا يخفونه ويكفرون به من أمور البعث والنار التي وقفوها عليها إذ من يكفر بأمر يخفيه ولا يظهره، ومن يؤمن به يبديه ولا يكتمه، والكلام في النار والعرض عليها.

ولو ردوا إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه من الكفر والعناد وعدم الإيمان، وإنهم لقوم طبعهم الكذب وديدنهم العناد، ولو ردوا إلى الدنيا لقالوا: ما هي إلا حياتنا الدنيا فقط وليست لنا حياة أخروية أبدا، وما نحن بمبعوثين وهكذا القوم الماديون لا يؤمنون بالغيب، ولا يرجى منهم خير أبدا.

ولو ترى هؤلاء المشركين المكذبين حين تقفهم الملائكة، وتحبسهم ليحاسبهم ربهم، ويحكم فيهم بما أراد يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ «١» لو رأيت هؤلاء حينئذ لهالك أمرهم واستبشعت منظرهم ورأيت ما لا تؤديه عبارة ولا يحيط به وصف وكأن سائلا سأل وقال: ماذا قيل لهم حينئذ؟ فأجيب قال لهم ربهم تبكيتا وتأنيبا: أليس هذا الذي أنتم فيه من أهوال الآخرة هو الحق لا شك فيه؟ قالوا: بلى نعم هو الحق لا شك فيه وربنا، قال لهم ربهم: فذوقوا ألم العذاب المر الذي تجدونه كما يجد من يذوق الشيء من قوة الإحساس والإدراك، كل ذلك بسبب ما كنتم تكفرون به


(١) سورة الانفطار آية ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>