للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله- سبحانه- جعل الليل يغشى النهار بظلمته. ويستره بلباسه حتى يذهب نور النهار ليتم قوام الحياة، فالليل للسكون، والنهار للمعاش، والليل يطلب النهار دائما من غير فتور مع الإعجال والسرعة.

وخلق الشمس والقمر والنجوم التي لا يعلمها إلا الله حالة كونها مسخرات ومذللات بأمره، كلّ يدور في فلكه إلى أجل مسمى عنده، ألا له الخلق، أى:

المخلوقات كلها كبيرها وصغيرها فلا دخل لهذه الكواكب في شيء. وله الأمر والنهى والتصريف والتدبير، ليس لأحد دخل في شيء، سبحانه وتعالى عما يصفون، وتبارك الله رب العالمين.

ادعوا ربكم الذي تعهدكم وأنعم عليكم نعمه التي لا تحصى، وبخاصة ما مضى في الآية السابقة، ادعوه متضرعين، مبتهلين مخلصين، فالدعاء مخ العبادة. ادعوه مخفين الدعاء متسترين، فالإخفاء حسن مندوب إن لم يكن واجبا، إذا هو أبعد عن الرياء والسمعة، وأنت لا تدعو غائبا أو ناسيا، فالله أقرب إلينا من جبل الوريد، وهو السميع البصير، على أن الله مدح العبد الصالح زكريا فقال: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا «١» وقد كان دعاء الصحابة وعملهم في الخفاء، إنه لا يحب المعتدين المتجاوزين الحدود المرسومة، خاصة في الدعاء، فمن رفع صوته للرياء أو بالغ في الصيغة، أو طلب غير المشروع. كل هذا تجاوز في حدود الدعاء يجب ألا يكون. أما دعاء غير الله فشرك.

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها بما خلق فيها، وما هداكم إلى الانتفاع بها وتسخيرها.

والإفساد في الأرض شامل لإفساد النفوس بالقتل والاعتداء، وإفساد المال بالسرقة والنصب، وإفساد الدين بالكفر والمعاصي، وإفساد العقل بالمسكرات.

ادعوه خائفين من عقابه فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.

وادعوه طامعين في ثوابه، مؤملين في جزائه، إن رحمة الله قريب من المحسنين:

لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى «٢» .


(١) سورة مريم آية ٣.
(٢) سورة النجم آية ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>