للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمدا أغرى أصحابه عليه، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى أهل مكة وأمره أن يأتى قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا قد تعرض لهم في أصحابه وقد غير أبو سفيان طريقه وسار محاذيا البحر، ونجا العير والتجارة، أما قريش فجمعوا جموعهم واستنفر أبو جهل الناس من فوق الكعبة قائلا: النجاء. على كل صعب وذلول، عيركم وأموالكم، إن أصابها محمد فلن تفلحوا أبدا، وخرج أبو جهل على رأس النفير وهم أهل مكة، ثم قيل له: إن العير أخذت طريق الساحل ونجت، فارجع بالناس إلى مكة فقال: لا والله لا يكون ذلك أبدا حتى ننحر الجذور ونشرب الخمور، وتعزف القينات ببدر فيتسامع جميع العرب بنا وبخروجنا وأن محمدا لم يصب العير.

أما محمد صلّى الله عليه وسلّم وصحبه فلما علم بنجاة العير، وأن قريشا جمعت جموعها ليمنعوا عيرها، استشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الناس وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر وعمر- رضى الله عنهما- فقالا وأحسنا، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض كما أمرك الله، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ «١» ولكنا نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك ما دامت عين منا تطرف، فضحك رسول الله ثم

قال: «أشيروا علىّ أيها الناس»

وكأنه يريد الأنصار إذ كان يخاف أنهم لا ينصرونه ما دام الحرب في غير المدينة كما شرطوا ذلك في عهدهم، فقال سعد بن معاذ:

قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله فو الله لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك.. إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عيناك، فسر على بركة الله، فسرّ رسول الله لقول سعد.

ثم

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين:

العير القادمة من الشام، أو النفير الآتي من مكة لنجدتهم. والله لكأنى الآن أنظر إلى مصارع القوم

. فعلم من هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج من المدينة لأجل العير وأنه استشار أصحابه في قتال النفير من قريش بعد هذا.


(١) سورة المائدة آية ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>