للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتوبة: هي الرجوع إلى الله- تعالى- وإلى تعاليم دينه بعد التقصير فيها مع الندم على هذا التقصير والعزم على عدم العودة إليه.

والمراد بها قبولها من العبد. فهي مصدر تاب عليه إذا قبل توبته.

والمراد من الجهالة في قوله «يعملون السوء بجهالة» : الجهل والسفه بارتكاب ما لا يليق بالعاقل، لا عدم العلم، لأن من لا يعلم لا يحتاج إلى التوبة.

قال مجاهد: كل من عصى الله عمدا أو خطأ فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته.

وقال قتادة: اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شيء عصى الله به فهو جهالة عمدا كان أو غيره» . «١»

قال- تعالى- حكاية عن يوسف- عليه السلام-: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ.

وقال حكاية عن موسى- عليه السلام- أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ.

وقال- سبحانه- مخاطبا نوحا- عليه السلام- فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ.

ووجه تسمية العاصي جاهلا- وإن عصى عن علم- أنه لو استعمل ما معه من العلم بالثواب والعقاب لما عصى ربه، فلما لم يستعمل هذا العلم صار كأنه لا علم له، فسمى العاصي جاهلا لذلك، سواء ارتكب المعصية مع العلم بكونها معصية أم لا.

والمعنى: إنما قبول التوبة كائن أو مستقر على الله- تعالى- لعباده الذين يعملون السوء، ويقعون في المعاصي بجهالة أى يعملون السوء جاهلين سفهاء، لأن ارتكاب القبيح مما يدعو إليه السفه والشهوة، لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل.

وصدر- سبحانه- الآية الكريمة بإنما الدالة على الحصر، للإشعار بأن هؤلاء الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب، هم الذين يقبل الله توبتهم، ويقيل عثرتهم.


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>