للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الفخر الرازي: واعلم أن فضل الرجال على النساء حاصل من وجوه كثيرة: بعضها صفات حقيقية وبعضها أحكام شرعية. أما الصفات الحقيقية فاعلم أن الفضائل الحقيقية يرجع حاصلها إلى أمرين. إلى العلم وإلى القدرة.

ولا شك أن عقول الرجال وعلومهم أكثر. ولا شك أن قدرتهم على الأعمال الشاقة أكمل، فلهذين السببين حصلت الفضيلة للرجال على النساء في العقل والحزم والقوة. وإن منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد، والأذان، والخطبة، والولاية في النكاح.

فكل ذلك يدل على فضل الرجال على النساء» «١» .

والمراد بالتفضيل في قوله بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ تفضيل الجنس على الجنس لا تفضيل الآحاد على الآحاد. فقد يوجد من النساء من هي أقوى عقلا وأكثر معرفة من بعض الرجال.

والباء للسببية، وما مصدرية، والبعض الأول المقصود به الرجال والبعض الثاني المقصود به النساء، والضمير المضاف إليه البعض الأول يقع على مجموع الفريقين على سبيل التغليب.

وقال- سبحانه- بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ولم يقل- مثلا-: بما فضلهم الله عليهن، للإشعار بأن الرجال من النساء والنساء من الرجال كما قال في آية أخرى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ وللإشارة إلى أن هذا التفضيل هو لصالح الفريقين، فعلى كل فريق منهم أن يتفرغ لأداء المهمة التي كلفه الله بها بإخلاص وطاعة حتى يسعد الفريقان.

وأما السبب الثاني: فهو كسبي وقد بينه- سبحانه- بقوله: وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ.

أى أن الله- تعالى- جعل الرجال قوامين على النساء بسبب ما فضل الله به الرجال على النساء من علم وقدرة. وبسبب ما ألزم به الرجال من إنفاق على النساء ومن تقديم المهور لهن عند الزواج بهن، ومن القيام برعايتهن وصيانتهن.

قال الآلوسى: واستدل بالآية على أن للزوج تأديب زوجته ومنعها من الخروج. وأن عليها طاعته إلا في معصية الله- تعالى-. وفي الخبر «لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» . واستدل بها أيضا من أجاز فسخ النكاح عند الإعسار عن النفقة والكسوة.

وهو مذهب مالك والشافعى، لأنه إذا خرج عن كونه قواما عليها فقد خرج عن الغرض المقصود بالنكاح. وعندنا لا فسخ لقوله- تعالى: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ.

واستدل بها أيضا من جعل للزوج الحجر على زوجته في نفسها وما لها فلا تتصرف فيه إلا بإذنه،


(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٠ ص ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>