للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكروا عيشا كان لهم بمصر، فسألوه موسى، فقال الله تعالى: اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ «١» .

ثم ساق ابن جرير رواية، فيها تصريح بأن سؤالهم لم يكن في البرية بل كان في التيه فقال:

حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب قال: أنبأنا ابن زيد قال:

«كان طعام بنى إسرائيل في التيه واحدا، وشرابهم واحدا. كان شرابهم عسلا ينزل لهم من السماء يقال له المن، وطعامهم طير يقال له السلوى، يأكلون الطير ويشربون العسل، لم يكونوا يعرفون خبزا ولا غيره، فقالوا يا موسى: إنا لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ، فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها فقرأ حتى بلغ قوله تعالى اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ «٢» .

وقد جرى أبو حيان وصاحب الكشاف- في تفسيريهما- على أن سؤالهم لموسى- عليه السلام كان في التيه.

قال أبو حيان عند تفسير قوله تعالى وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ:

«لما سئموا من الإقامة في التيه. والمواظبة على مأكول واحد لبعدهم عن الأرض التي ألفوها، وعن العوائد التي عهدوها، أخبروا عما وجدوه من عدم الصبر على ذلك، وتشوقهم إلى ما كانوا يألفون، وسألوا موسى أن يسأل الله لهم» «٣» .

وقال صاحب الكشاف: «كانوا أهل فلاحة فنزعوا إلى عكرهم «٤» فأجموا- أى ملوا وكرهوا- ما كانوا فيه من النعمة وطلبت أنفسهم عدم البقاء عَلى طَعامٍ واحِدٍ أرادوا ما رزقوه في التيه من المن والسلوى» «٥» .

ومعنى الآية الكريمة إجمالا: واذكروا يا بنى إسرائيل بعد أن أسبغنا عليكم نعمنا ما كان من سوء اختيار أسلافكم، وفساد أذواقهم، وإعناتهم لنبيهم موسى- عليه السلام- حيث قالوا له ببطر وسوء أدب: لن نصبر على طعام المن والسلوى في كل وقت، فسل ربك أن يخرج لنا مما تنبته الأرض من خضرها وفاكهتها وحنطتها وعدسها وبصلها، لأن نفوسنا قد عافت المن والسلوى، فوبخهم نبيهم موسى- عليه السلام- بقوله: أتختارون الذي هو أقل فائدة وأدنى


(١) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٣٠٩.
(٢) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٣٠٩.
(٣) تفسير ابن حيان ج ١ ص ٣٣١.
(٤) فنزعوا إلى عكرهم: أى حنوا إلى أصلهم وعادتهم.
(٥) تفسير الكشاف ج ١ ص ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>