للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعيسى ابن مريم ناهجا نهجهم في الخضوع والطاعة والإخلاص لله رب العالمين ومصدقا للتوراة التي تقدمته، ومنفذا لأحكامها إلا ما جاء نسخه في الإنجيل منها.

وفي التعبير بقوله وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ إشارة إلى أن عيسى- عليه السلام- لم يكن بدعة من الرسل، وإنما هو واحد منهم، جاء على آثار من سبقوه، سالكا مسلكهم في الدعوة إلى عبادة الله وحده وإلى التحلي بمكارم الأخلاق.

وفي التعبير بقوله بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إيذان بأنه محدث كجميع المحدثات، وأنه قد ولد من أمه كما يولد سائر البشر من أمهاتهم، وأنه لا نسب له إلا من جهتها، فليس له أب، وليس ابنا لله- تعالى-، وإنما هو عبد من عباد الله أو جده بقدرته، وأرسله- سبحانه- لدعوة الناس إلى توحيده وعبادته.

وقوله: مُصَدِّقاً حال من عيسى- عليه السلام-:

قال بعض العلماء: «ولو سايرنا الواقع عند النصارى في هذه الأيام، لكان لذكر كلمة التصديق في هذا المقام معنى أعمق من مجرد التصديق بأصل النزول، بل بالتنفيذ، لأن الإنجيل ليس فيه أحكام عملية كثيرة، فأحكام الأسرة كلها مأخوذة عند النصارى من التوراة، وليس ثمة نص قاطع في الأناجيل التي بين أيدينا يغاير ما جاء في التوراة من أحكام تتعلق بالأسرة، ولا بأحكام العقوبات من حدود وقصاصر ولقد رويت عبارات عندهم منسوبة للمسيح- عليه السلام- تدل على العمل بأحكام التوراة، مثل قوله- عليه السلام- «ما جئت لأنقض الناموس» أى التوراة.

وكلمة بَيْنَ يَدَيْهِ تعبير قرآنى، للدلالة على أن التوراة كانت حاضرة قائمة وقت مجيء عيسى- عليه السلام- وعلما عنده، وهو علم خال من التحريف والتبديل، أوحى الله به إليه.

ولفظ بين يديه في دلالته على الأمر المهيأ القائم من الاستعارات الرائعة، ومضمونها أن الأمر معلوم علما يقينا لعيسى بن مريم- عليه السلام- كعلم المحسوس يكون موضوعا بين يديه «١» .

وقوله: وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ، وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ، وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ معطوف على قَفَّيْنا.

وقد وصف الله- تعالى- الإنجيل الذي أعطاه لعيسى بخمس صفات:


(١) تفسير الآية الكريمة لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة مجلة لواء الإسلام العدد الثالث من السنة ٢١

<<  <  ج: ص:  >  >>