للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ من اليهود والنصارى آمَنُوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من حق ونور وَاتَّقَوْا الله- تعالى- بأن صانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضاه. لو أنهم فعلوا ذلك لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ بأن رفعنا عنهم العقاب وسترنا عليهم معاصيهم فلم نحاسبهم عليها، وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ في الآخرة.

قال الفخر الرازي: واعلم أنه- سبحانه- لما بالغ في ذمهم وفي تهجين طريقتهم عقب ذلك ببيان أنهم لو آمنوا واتقوا لوجدوا سعادات الآخرة والدنيا. أما سعادات الآخرة فهي محصورة في نوعين:

أحدهما: رفع العقاب.

والثاني: إيصال الثواب.

أما رفع العقاب فهو المراد بقوله: لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ. وأما إيصال التواب فهو المراد بقوله: وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ.

وأما سعادات الدنيا فقد ذكرها في قوله بعد ذلك: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ «١» .

وكرر- سبحانه- اللام في قوله: لَكَفَّرْنا. وَلَأَدْخَلْناهُمْ لتأكيد الوعد. وفيه تنبيه إلى كثرة ذنوبهم ومعاصيهم وإلى أن الإسلام يجب ما قبله من ذنوب مهما كثرت.

وفي إضافة الجنات إلى النعيم إشارة إلى ما يستحقونه من العذاب لو لم يؤمنوا ويتقوا.

وجمع- سبحانه- بين الإيمان والتقوى، للإيذان بأن الإيمان الذي ينجى صاحبه، ويرفع درجاته، هو ما كان نابعا عن يقين وإخلاص وخشية من الله، لا إيمان المنافقين الذين يدعون الإيمان وهو منهم برىء والضمير في قوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ يعود إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين فتح الله لهم باب الإيمان ليدخلوا فيه كي ينالوا رضاه.

والمراد بإقامة التوراة والإنجيل: العمل بما فيهما من بشارات بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وحضهم على


(١) راجع تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ٤٦- بتصريف وتلخيص-

<<  <  ج: ص:  >  >>