للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى الآيات الكريمة. أن اليهود المعاصرين للعهد النبوي كانوا إذا عرض عليهم الإيمان بما أنزل الله من القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلّم أجابوا بقولهم: نؤمن بما أنزل علينا وهو التوراة التي أنزلها الله- تعالى- على موسى، ويجحدون غيرها وهو القرآن الكريم المصدق لها في الأمر باتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يكذبهم في دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم فقال: قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بالتوراة فإنها تنهاكم عن قتلهم ثم كذبهم القرآن الكريم مرة أخرى فقال: وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ أى: بالآيات الواضحات الدالة على صدقه، ولكنكم اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ أى: من بعد ذهابه لميقات ربه وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ لعبادتكم غير الله تعالى.

ثم كذبهم القرآن الكريم- في دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم- بصورة أخرى سوى ما سبقها فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ وقلنا لكم: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ- من التوراة- بِقُوَّةٍ أى بجد وحزم وَاسْمَعُوا ما أمرتم به فيها سماع تدبر وطاعة. ولكن أسلافكم الذين أنتم على شاكلتهم قالوا لنبيهم: «سمعنا» قولك «وعصينا» أمرك. وخالط حب العجل قلوبهم كما يخالط الماء أعماق البدن، وكل هذه الأفاعيل منكم لا تناسب دعواكم الإيمان بما أنزل إليكم، وإذا فبئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين بالتوراة كما تزعمون، فالواقع أن التوراة بريئة من أعمالكم، وأنتم بعيدون عن الإيمان بها.

وقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا تصوير لنوع آخر من قبائح اليهود، وإخبار عن إعراضهم عن الحق بدعوى أنهم مكلفون بعدم الإيمان إلا بما أنزل الله على موسى وهو التوراة.

والمقصود بِما أَنْزَلَ اللَّهُ القرآن الكريم. ولم يذكر المنزل عليه وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم للعلم به أو للتنبيه على أن وجوب الإيمان بالكتاب، يكفى فيه العلم بأنه منزل من عند الله- تعالى- ومتى

<<  <  ج: ص:  >  >>