للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى: ما أعمله في حياتي من أعمال وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح.

كل ذلك لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فأنا متجرد تجردا كاملا لخالقي ورازقي بكل خالجة في القلب، وبكل حكة في هذه الحياة.

فهو- سبحانه- رب كل شيء. ولا شريك له في ملكه، بذلك القول الطيب، وبذلك العمل الخالص أمرت وأنا أول المسلمين الممتثلين لأوامر الله والمنتهين عن نواهيه من هذه الأمة.

ثم قل لهم للمرة الثالثة على سبيل التعجب من حالهم، والاستنكار لواقعهم: أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا أى: أغير الله- تعالى- تريدونني أن أطلب ربا فأشركه في عبادته، والحال والشأن أنه- سبحانه- هو رب كل شيء ومليكه، وهو الخالق لكل شيء.

فجملة وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ حال في موضع العلة لإنكار ما هم عليه من ضلال.

ثم بين- سبحانه- أن كل إنسان مجازى بعمله فقال: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها.

أى: لا تجترح نفس إثما إلا عليها من حيث عقابه. فلا يؤاخذ سواها به، وكل مرتكب لإثم فهو وحده المعاقب به.

وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أى: ولا تحمل نفس مذنبة ولا غير مذنبة ذنب نفس أخرى، وإنما تتحمل الآثمة وحدها عقوبة إثمها الذي ارتكبته بالمباشرة أو بالتسبب.

قال القرطبي: وأصل الوزر الثقل، ومنه قوله تعالى وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ وهو هنا الذنب كما في قوله تعالى وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ.

ثم بين- سبحانه- نهايتهم فقال: ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ أى: رجوعكم بعد الموت يوم القيامة فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ بتمييز الحق من الباطل، ومجازاة كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر على حسب عمله.

ثم ختمت السورة بهذه الآية وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ أى: خلائف القرون الماضية، فأورثكم أرضهم لتخلفوهم فيها وتعمروها بعدهم.

وخلائف: جمع خليفة، وكل من جاء بعد من مضى فهو خليفة، لأنه يخلفه.

وقوله: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ أى: فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق والمحاسن والمساوئ والمناظر والأشكال والألوان وغير ذلك.

ثم بين- سبحانه- العلة في ذلك فقال: لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ أى: ليختبركم في الذي أنعم به عليكم، يختبر الغنى في غناه ويسأله عن شكره، ويختبر الفقير في فقره ويسأله عن صبره.

<<  <  ج: ص:  >  >>