للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القوم جميعا في الاختيار، وكأن بنى إسرائيل على كثرتهم لا يوجد من بينهم فضلاء سوى هؤلاء السبعين.

وتختلف روايات المفسرين في سبب هذا الميقات وزمانه، فمنهم من يرى أنه الميقات الكلامى الذي كلم الله فيه موسى تكليما فقد كان معه سبعون رجلا من شيوخ بنى إسرائيل ينتظرونه في مكان وضعهم فيه غير مكان المناجاة، فلما تمت مناجاة موسى لربه طلبوا منه أن يخاطبوا الله- تعالى- وأن يكلموه كما كلمه موسى، وأن يروه جهرة فأخذتهم الصاعقة، وكان ذلك قبل أن يخبر الله- تعالى- موسى أن قومه قد عبدوا العجل في غيبته.

والذي نرجحه وعليه المحققون من المفسرين والسياق القرآنى يؤيده أن هذا الميقات الذي جاء في هذه الآية غير الميقات الأول، وأنه كان بعد عبادة بنى إسرائيل للعجل في غيبة موسى، فقد عرفنا أن الله قد أخبره بذلك عند ذهابه إليه لتلقى التوراة، فرجع موسى إليهم مسرعا ووبخهم على صنيعهم وأحرق العجل، وأمره الله- تعالى- بعد ذلك أن يأتيه مع جماعة من بنى إسرائيل ليتوبوا إليه من عبادة العجل فاختار موسى هؤلاء السبعين، وهناك روايات ترجح ذلك منها ما جاء عن محمد بن إسحاق قال: إن موسى- عليه السلام- لما رجع إلى قومه فرأى ما هم فيه من عيادة العجل، وقال لأخيه والسامري ما قال وحرق العجل وذراه في اليم، اختار من بنى إسرائيل سبعين رجلا الخير فالخير، وقال: انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم واسألوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم، فصوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم. فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم، فقال له السبعون- فيما ذكر لي- حين صنعوا ما أمرهم به وخرجوا معه للقاء ربه يا موسى: اطلب لنا نسمع كلام ربنا. فقال: أفعل. فلما دنا موسى من الجيل، وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى فدخل فيه، وقال للقوم: ادنوا. وكان موسى إذا كلمه الله وقع على جبهة موسى نور ساطع، لا يستطيع أحد من بنى آدم أن ينظر إليه. ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا فسمعوه وهو يكلم موسى، يأمره وينهاه، افعل ولا تفعل، فلما انكشف عن موسى الغمام أقبل إليهم فقالوا له: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وهي الصاعقة التي يحصل منها الاضطراب الشديد فماتوا جميعا فقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ قد سفهوا، أتهلك من ورائي من بنى إسرائيل» «١» .

وهكذا نرى أن هؤلاء السبعين المختارين من بنى إسرائيل قد طلبوا من نبيهم موسى-


(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>