للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمن تعلمه فقرأه وقام به كمثل جراب أوكى أى أغلق- على مسك.

قال القرطبي: وهذه السورة فضلها عظيم، وثوابها جسيم، ويقال لها فسطاط القرآن، وذلك لعظمها وبهائها وكثرة أحكامها ومواعظها «١» .

مقاصدها: عند ما نفتح كتاب الله فنطالع فيه سورة البقرة بتدبر وعناية، نراها في مطلعها تنوه بشأن القرآن الكريم، وتصرح بأنه حق لا ريب فيه، وتبين لنا أن الناس أمام هدايته على ثلاثة أقسام:

قسم آمن به وانتفع بهداياته فكانت عاقبته السعادة والفلاح.

أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وقسم جحد واستكبر واستحب العمى على الهدى، فأصبح لا يرجى منه خير ولا إيمان، فكانت عاقبته الحرمان والخسران.

خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.

ثم فصلت السورة الحديث عن قسم ثالث هو شر ما تبتلى به الأمم وهم المنافقون الذين يظهرون خلاف ما يبطنون. وقد تحدثت السورة عنهم في ثلاث عشرة آية، كشفت فيها عن خداعهم، وجبنهم، ومرض قلوبهم، وبينت ما أعده الله لهم من سوء المصير، ثم زادت في فضيحتهم وهتك سرائرهم فضربت مثلين لحيرتهم واضطرابهم، قال- تعالى-:

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ. يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ.

إلى أن يقول: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

ثم وجهت السورة نداء إلى الناس جميعا دعتهم فيه إلى عبادة الله وحده وأقامت لهم الأدلة الساطعة على صدق هذه القضية، وتحدتهم- إن كانوا في ريب من القرآن- أن يأتوا بسورة من مثله. وبينت لهم أنهم لن يستطيعوا ذلك لا في الحاضر ولا في المستقبل.

ثم ختم الربع الأول منها ببشارة الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار، جمعت لذائذ المادة والروح، وهم فيها خالدون. ثم قررت السورة الكريمة أن الله- تعالى- لا يمتنع عن ضرب الأمثال بما يوضح ويبين دون نظر إلى قيمة الممثل به في ذاته أو عند


(١) تفسير القرطبي ج ١ ص ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>