للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكاف في قوله: كَدَأْبِ، للتشبيه، والجار والمجرور في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف.

والدأب: أصله الدوام والاستمرار، يقال: دأب فلان على كذا يدأب دأبا- بفتح الهمزة- ودأبا- بسكونها- ودؤوبا، إذا داوم عليه وجد فيه، ثم غلب استعماله في الحال والشأن والعادة، لأن الذي يستمر في عمل أمدا طويلا يصير هذا العمل عادة من عاداته، وحالا من أحواله، فهو من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم.

والآل- كما يقول الراغب- مقلوب عن الأهل، ويصغر على أهيل، إلا أنه خص بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة والأمكنة يقال: آل فلان، ولا يقال:

آل رجل، ولا يقال: آل الحجام.. بل يضاف إلى الأشرف والأفضل يقال: آل الله، وآل السلطان، والأهل يضاف إلى الكل، فيقال: أهل الله، وأهل الحجام، وأهل زمان كذا.. «١» .

والمقصود بآل فرعون: هو وأعوانه وبطانته، لأن الآل يطلق على أشد الناس التصاقا واختصاصا بالمضاف إليه.

والمعنى: شأن هؤلاء الكافرين الذين حاربوك يا محمد، والذين هلك منهم من هلك في بدر، شأنهم وحالهم وعادتهم فيما اقترفوه من الكفر والعصيان وفيما فعل بهم من عذاب وخذلان، كشأن آل فرعون الذين استحبوا العمى على الهدى، والذين زينوا له الكفر والطغيان حتى صار عادة له ولهم، وقد أخذهم- سبحانه- أخذ عزيز مقتدر، بسبب كفرهم وفجورهم.

وقد خص- سبحانه- فرعون وآله بالذكر من بين الأمم الكافرة، لأن فرعون كان أشد الطغاة طغيانا، وأكثرهم غرورا وبطرا، وأكثرهم في الاستهانة بقومه وفي الاحتقار لعقولهم وكيانهم.

ألم يقل لهم- كما حكى القرآن عنه- أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى «٢» .

وألم يبلغ به غروره أن يقول لهم: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ «٣» ؟.

أما آله وبطانته وأعوانه، فهم الذين زينوا له السوء، وحرضوه على البطش بموسى لأنه


(١) المفردات في غريب القرآن ص ٣٠.
(٢) سورة النازعات الآية ٢٤.
(٣) سورة الزخرف الآية ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>