للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذكرت له ذلك فقال: «رحمة الله على موسى، لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر» . ونزل وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ «١» .

وقوله: يَلْمِزُكَ أى: يعيبك ويطعن عليك في قسمة الصدقات وغيرها من الأموال، مأخوذ من اللمز وهو العيب. يقال لمزة وهمزة يلمزه ويهمزه إذا عابه وطعن عليه، ومنه قوله- تعالى-: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ.

وقيل: اللمز ما كان يحضره الملموز، والهمز ما كان في غيابه.

والمعنى: ومن هؤلاء المنافقين- يا محمد- من يعيبك ويطعن عليك في قسمة الصدقات والغنائم، زاعمين أنك لست عادلا في قسمتك.

وقوله: فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا ... بيان لفساد لمزهم وطعنهم، وأن الدافع إليه إنما هو الطمع والشره في حطام الدنيا، وليس الغضب من أجل إحقاق الحق: أو من أجل نشر العدالة بين الناس.

أى: أن هؤلاء المنافقين إن أعطيتهم. يا محمد. من تلك الصدقات، رضوا عنك، وحكموا على هذا العطاء بأنه عدل حتى ولو كان ظلما، وإن لم تعطهم منها سخطوا عليك، واتهموك بأنك غير عادل، حتى ولو كان عدم عطائهم هو الحق بعينه، فهم لا يقولون ما يقولونه فيك غضبا للعدل، ولا حماسة للحق، ولا غيرة على الدين.. وإنما يقولون ما يقولون من أجل مطامعهم الشخصية، ومنافعهم الذاتية.

قال الجمل. وقوله إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ إذا هنا فجائية، قائمة مقام فاء الجزاء في الربط على حد قوله: «وتخلف الفاء إذا المفاجأة» . والأصل. فهم يسخطون، وغاير.

سبحانه. بين جوابي الجملتين، للاشارة إلى أن سخطهم ثابت لا يزول ولا يفنى بخلاف رضاهم «٢» .

وقال صاحب المنار. وقد عبر- سبحانه- عن رضاهم بصيغة الماضي: للدلالة على أنه كان يكون لأجل العطاء في وقته وينقضي، فلا يعدونه نعمة يتمنون دوام الإسلام لدوامها، وعبر عن سخطهم بإذا الفجائية وبالفعل المضارع، للدلالة على سرعته واستمراره. وهذا دأب المنافقين وخلقهم في كل زمان ومكان، كما نراه بالعيان حتى من مدعى كمال الإيمان، والعلم والعرفان «٣» .


(١) تفسير المنار ج ١٠ ص ٥٦٦.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٩١.
(٣) تفسير المنار ج ١٠ ص ٥٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>