للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجعلنا: بمعنى صيرنا. والبيت: المقصود به الكعبة، إذ غلب استعمال البيت فيها حتى صار اسما لها.

ومثابة للناس: مرجعا للناس يرجعون إليه من كل جانب، وهو مصدر ميمى من ثاب القوم إلى المكان رجعوا إليه. فهم يثوبون إليه ثوبا وثوبانا، أو معاذا لهم يلجئون إليه أو موضع ثواب يثابون بحجه واعتماره.

والأمن: السلامة من الخوف، وأمن المكان: اطمئنان أهله به، وعدم خوفهم من أن ينالهم فيه مكروه فالبيت مأمن، أى موضع أمن. وأخبر- سبحانه- بأنه جعله أمنا ليدل على كثرة ما يقع به من الأمن حتى صار كأنه نفس الأمن.

وكذلك صار البيت الحرام محفوظا بالأمن من كل ناحية، فقد كان الناس في الجاهلية يقتتلون ويعتدى بعضهم على بعض من حوله، أما أهله فكانوا في أمان واطمئنان. قال تعالى:

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ وقال- تعالى-: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

وقد أقرت تعاليم الإسلام هذه الحرمة للبيت الحرام على وجه لا يضيع حقا ولا يعطل حدا، وزادت في تكريمه وتشريفه بأن جعلت الحج إليه فريضة على كل قادر عليها.

قال الإمام ابن كثير: «ومضمون ما فسر به العلماء هذه الآية أن الله تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفا به شرعا وقدرا من كونه مثابة للناس. أى: جعله محلا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه ولا تقضى منه وطرا ولو ترددت إليه في كل عام استجابة من الله- تعالى- لدعاء خليله إبراهيم في قوله تعالى: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ويصفه- تعالى- بأنه جعله أمنا من دخله أمن ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنا، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلّم: كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يعرض له:

وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى الاتخاذ: الجعل، تقول اتخذت فلانا صديقا أى:

جعلته صديقا. والمقام في اللغة: موضع القدمين من قام يقوم، ومقام إبراهيم: هو الحجر الذي كان إبراهيم يقوم عليه عند بناء الكعبة لما ارتفع الجدار، وهو- على المشهور- تحت المصلّى المعروف الآن بهذا الاسم.

ومعنى اتخاذ مصلّى منه: القصد إلى الصلاة عنده. فقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلّم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طاف بالبيت سبعا وصلّى خلف المقام ركعتين» .

<<  <  ج: ص:  >  >>