للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعذر، ومنه قد أعذر من أنذر، أى: قد بالغ في العذر من تقدم إليك فأنذرك، وأما، «المعذرون» بالتشديد- وهي قراءة الجمهور- ففيها قولان:

أحدهما: أنه يكون المحق، فهو في المعنى المعتذر، لأن له عذرا، فيكون «المعذرون» على هذه أصله المعتذرون، ثم أدغمت التاء في الذال ...

وثانيهما: أن المعذر قد يكون غير محق، وهو الذي يعتذر ولا عذر له.

والمعنى، أنهم اعتذروا بالكذب ...

قال الجوهري: وكان ابن عباس يقول: لعن الله المعذرين، كان الأمر عنده أن المعذر- بالتشديد- هو المظهر للعذر، اعتلالا من غير حقيقة له في العذر ... » «١» .

ومن هذه الأقوال التي نقلناها عن القرطبي يتبين لنا أن من المفسرين من يرى أن المقصود من المعذرين: أصحاب الأعذار المقبولة.

وقد رجح الإمام ابن كثير هذا الرأى فقال: بين الله- تعالى- حال ذوى الأعذار في ترك الجهاد، وهم الذين جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه، ويبينون له ما هم فيه من الضعف وعدم القدرة على الخروج وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة.

قال الضحاك عن ابن عباس: إنه كان يقرأ «وجاء المعذرون» - بالتخفيف، ويقول:

هم أهل العذر ... وهذا القول أظهر في معنى الآية لأنه- سبحانه- قال بعد هذا: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

أى: لم يأتوا فيعتذروا ... » «٢» .

وعلى هذا الرأى تكون الآية قد ذكرت قسمين من الأعراب: قسما جاء معتذرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسما لم يجئ ولم يعتذر، وهذا القسم هو الذي توعده الله بسوء المصير.

ومنهم من يرى أن المقصود بالمعذرين: أصحاب الأعذار الباطلة، وقد سار على هذا الرأى صاحب الكشاف فقال: «المعذرون» من عذر في الأمر، إذا قصر فيه وتوانى ولم يجد فيه، وحقيقته أنه يوهم أن له عذرا فيما يفعل ولا عذر له.

أو المعتذرون بإدغام التاء في الذال، وهم الذين يعتذرون بالباطل، كقوله، يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم ...

وقرئ «المعذرون» بالتخفيف: وهو الذي يجتهد في العذر ويحتشد فيه. قيل هم أسد


(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٢٢٤.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٨١. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>