للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود بالتشبيه: بيان أن هذه السنوات الطويلة التي قضاها هؤلاء المشركون في الدنيا يتمتعون بلهوها ولعبها، ويستبعدون معها أن هناك بعثا وحسابا.. قد زالت عن ذاكرتهم في يوم القيامة، حتى لكأنهم لم يمكثوا فيها سوى وقت قصير لا يتسع لأكثر من التعارف القليل مع الأقارب والجيران والأصدقاء، حتى لكأن ذلك النعيم الذي تقلبوا فيه دهرا طويلا لم يروه من قبل ...

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- في سورة الأحقاف: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ «١» وقوله- سبحانه، في سورة الروم وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ «٢» .

فإن قيل: إن هناك بعض الآيات ذكرت أنهم عند ما يسألون يحسبون بأنهم لبثوا في الدنيا يوما أو بعض يوم، أو عشية أو ضحاها كما في قوله- تعالى-: قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ، قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ «٣» . وكما في قوله- تعالى- كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها «٤» فكيف نجمع بين هذه الآيات التي اختلفت إجابتهم فيها؟.

فالجواب: أن أهل الموقف يختلفون في تقدير الزمن الذي لبثوه في الدنيا على حسب اختلاف أحوالهم، وعلى حسب أهوال كل موقف، فإن في يوم القيامة مواقف متعددة بعضها أشد من بعض.

وقوله يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ جملة حالية أيضا من ضمير الجمع في يحشرهم.

قال القرطبي: «وهذا التعارف توبيخ وافتضاح، يقول بعضهم لبعض: أنت أضللتنى وأغويتنى وحملتني على الكفر، وليس تعارف شفقة ورحمة وعطف ... والصحيح أنه لا ينقطع هذا التعارف التوبيخي عند مشاهدة أهوال القيامة، لقوله- تعالى- وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ ...

فأما قوله: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً وأشباهه فمعناه: لا يسأله سؤال رحمة وشفقة..» «٥» .

وقوله: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ جملة مستأنفة مسوقة لبيان


(١) الآية ٣٥.
(٢) الآية ٥٥.
(٣) سورة المؤمنون الآية ١١٢، ١١٣.
(٤) سورة المنازعات الآية الأخيرة.
(٥) تفسير القرطبي- يتصرف وتلخيص- ج ٨ ص ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>