للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرف الجر أى: أرسلناه بأنى. أى: أرسلناه متلبسا بذلك الكلام وهو أنى لكم نذير مبين.

وقرأ الباقون بالكسر على إرادة القول. أى: أرسلناه قائلا لهم إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ «١» .

ونذير من الإنذار وهو إخبار معه تخويف..

ومبين: من الإبانة بمعنى التوضيح والإظهار..

أى: أرسلناه إلى قومه فقال لهم يا قوم: إنى لكم محذر تحذيرا واضحا من موجبات العذاب التي تتمثل في عبادتكم لغير الله- تعالى-.

واقتصر على الإنذار لأنهم لم يعملوا بما بشرهم به وهو الفوز برضا الله- تعالى- إذا ما أخلصوا له العبادة والطاعة.

وجملة أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ بدل من قوله إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أى أرسلناه بأن لا تعبدوا إلا الله.

وقوله: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ جملة تعليلية، تبين حرص نوح الشديد على مصلحة قومه ومنفعتهم.

أى إنى أحذركم من عبادة غير الله، لأن هذه العبادة ستؤدى بكم الى وقوع العذاب الأليم عليكم، وما حملني على هذا التحذير الواضح إلا خوفي عليكم، وشفقتي بكم، فأنا منكم وأنتم منى بمقتضى القرابة والنسب.

ووصف اليوم بالأليم على سبيل المجاز العقلي، وهو أبلغ من أن يوصف العذاب بالأليم، لأن شدة العذاب لما بلغت الغاية والنهاية في ذلك، جعل الوقت الذي تقع فيه وقتا أليما أى مؤلما.

ثم حكى- سبحانه- ما رد به قوم نوح عليه فقال: فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ، ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا، وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ، وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ.

والمراد بالملإ: أصحاب الجاه والغنى من قوم نوح. وهذا اللفظ اسم جمع لا واحد له من لفظه كرهط وهو- كما يقول الآلوسى-: مأخوذ من قولهم فلان ملئ بكذا: إذا كان قادرا عليه ... أو لأنهم متمالئون أى متظاهرون متعاونون، أو لأنهم يملؤون القلوب والعيون ...

ووصفهم بالكفر، لتسجيل ذلك عليهم من أول الأمر زيادة في ذمهم.


(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٢ ص ٤٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>