للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل مما يشهد بأفضلية هذه الأمة على غيرها من الأمم، أن الله- تعالى- قد أمر بنى إسرائيل في السورة نفسها بالاستعانة بالصبر والصلاة فقال: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إلا أنه- سبحانه- قال لهم: وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ ليشعرهم بضعف عزائمهم عن عظائم الأعمال، ولم يقل- سبحانه- للمؤمنين ذلك في الآية التي معنا، للإيماء إلى أنهم قد يسر لهم ما يصعب على غيرهم، وأنهم هم الخاشعون الذين استثناهم الله هنالك.

وقوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بيان لحكمة الاستعانة بالصبر وهو الفوز والنصر. أى: إن الله مع الصابرين بمعونته ونصره، وتوفيقه وتسديده فهي معية خاصة، وإلا فهو- سبحانه- مع جميع خلقه بعلمه وقدرته.

وقال- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ولم يقل «مع المصلين» لأن الصلاة المستوفية لأركانها وسننها وخشوعها لا تتم إلا بالصبر، فالمصلون بحق داخلون في قوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.

ولم يقل «معكم» ليفيد أن معونته إنما تمدهم إذا صار الصبر وصفا لازما لهم.

قال الأستاذ الإمام: إن من سنة الله: - تعالى- أن الأعمال العظيمة لا تتم ولا ينجح صاحبها إلا بالثبات والاستمرار، وهذا إنما يكون بالصبر، فمن صبر فهو على سنة الله والله معه، لأنه- سبحانه- جعل هذا الصبر سببا للظفر، إذ هو يولد الثبات والاستمرار الذي هو شرط النجاح، ومن لم يصبر فليس الله معه، لأنه تنكب سنته، ولن يثبت فيبلغ غايته «١» .

ثم نهى- سبحانه- المؤمنين عن أن يقولوا للشهداء أمواتا فقال: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ. بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ.

قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: نزلت هذه الآية في قتلى غزوة بدر، قتل من المسلمين فيها أربعة عشر رجلا: ست من المهاجرين وثمانية من الأنصار وكان الناس يقولون. مات فلان ومات فلان. فنهى الله- تعالى- أن يقال فيهم: إنهم ماتوا.

وقيل إن الكفار والمنافقين قالوا: إن الناس يقتلون أنفسهم طلبا لمرضاة محمد من غير فائدة، فنزلت هذه الآية «٢» .

والسبيل: الطريق وسبيل الله: طريق مرضاته، وإنما قيل للجهاد سبيل الله، لأنه طريق إلى ثواب الله وإعلاء كلمته. و «أموات» مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى: لا تقولوا هم


(١) تفسير المنار ج ٢ ص ٣٧.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>