للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكتم والكتمان: إخفاء الشيء قصدا مع مسيس الحاجة إليه وتحقق الداعي إلى إظهاره.

وكتم ما أنزل الله يتناول إخفاء ما أنزله، وعدم ذكره للناس وإزالته عن موضعه ووضع شيء آخر موضعه، كما يتناول تحريفه بالتأويل الفاسد عن معناه الصحيح جريا مع الأهواء، وقد فعل أهل الكتاب ولا سيما اليهود- كل ذلك. فقد كانوا يعرفون مما بين أيديهم من آيات أن رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم حق، ولكنهم كتموا هذه المعرفة حسدا له على ما آتاه الله من فضله، كما أنهم حرفوا كلام الله وأولوه تأويلا فاسدا تبعا لأهوائهم.

والمراد «بما أنزلنا» ما اشتملت عليه الكتب السماوية السابقة على القرآن من صفات النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن هداية وأحكام.

والمراد بالكتاب جنس الكتب، فيصح حمله على جميع الكتب التي أنزلت على الرسل- عليهم السلام-. وقيل: المراد به التوراة.

والْبَيِّناتِ جمع بينة، والمراد بها الآيات الدالة على المقاصد الصحيحة بوضوح، وهي ما نزل على الأنبياء من طريق الوحى.

والمراد «بالهدى» ما يهدى إلى الرشد مطلقا فهو أعم من البينات، إذ يشمل المعاني المستمدة من الآيات البينات عن طريق الاستنباط، والاجتهاد القائم على الأصول المحكمة.

و «اللعن» الطرد والإبعاد من الرحمة. يقال: لعنه، أى: طرده وأبعده ساخطا عليه، فهو لعين وملعون.

والمعنى: إن الذين يخفون عن قصد وتعمد وسوء نية ما أنزل الله على رسله من آيات واضحة دالة على الحق، ومن علم نافع يهدى إلى الرشد، من بعد ما شرحناه وأظهرناه للناس في كتاب يتلى، أولئك الذين فعلوا ذلك يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ بأن يبعدهم عن رحمته وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ أى ويلعنهم كل من تتأتى منه اللعنة- كالملائكة والمؤمنين- بالدعاء عليهم بالطرد من رحمة الله لكتمانهم لما أمر الله بإظهاره.

وجملة إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ... إلخ، مستأنفة لبيان سوء عاقبة الكاتمين لما أمر الله بإظهاره، وأكدت «بإن» للاهتمام بهذا الخبر الذي ألقى على مسامع الناس.

وعبر في يَكْتُمُونَ بالفعل المضارع، للدلالة على أنهم في الحال كاتمون للبينات والهدى، ولو وقع بلفظ الماضي لتوهم السامع أن المقصود به قوم مضوا، مع أن المقصود إقامة الحجة على الحاضرين.

وقوله: مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ متعلق بيكتمون، وقد دلت هذه الجملة

<<  <  ج: ص:  >  >>