للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و «إذ» ظرف لما مضى من الزمان، وهو منصوب على المفعولية لفعل محذوف.

و «رب» منادى بحرف نداء محذوف أى: يا رب.

والمراد بالبلد: مكة المكرمة شرفها الله- تعالى-.

والمعنى: واذكر- أيها العاقل- وقت أن قال إبراهيم مناديا ربه: يا رب اجعل هذا البلد ذا أمن وسلام واستقرار.

وقدم إبراهيم- عليه السلام- في دعائه نعمة الأمن على غيرها- لأنها أعظم أنواع النعم، ولأنها إذا فقدها الإنسان، اضطرب فكره، وصعب عليه أن يتفرغ لأمور الدين أو الدنيا بنفس مطمئنة، وبقلب خال من المتغصات والمزعجات.

قال الإمام الرازي: «سئل بعض العلماء: الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال الأمن أفضل، والدليل عليه أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان، ولا يمنعها هذا الكسر من الإقبال على الرعي والأكل والشرب.

ولو أنها ربطت- وهي سليمة- في موضع، وربط بالقرب منها ذئب، فإنها تمسك عن الأكل والشرب، وقد تستمر على ذلك إلى أن تموت.

وذلك يدل على أن الضرر الحاصل من الخوف، أشد من الضرر الحاصل من ألم الجسد، «١» .

وقال الإمام ابن كثير ما ملخصه: «يذكر الله- تعالى- في هذا المقام- محتجا على مشركي مكة الذين كانوا يزعمون أنهم على ملة إبراهيم- بأن مكة إنما وضعت أول ما وضعت على عبادة الله- تعالى- وحده، وأن إبراهيم قد تبرأ ممن عبد غير الله، وأنه دعا لمكة بالأمن وقد استجاب الله له فقال- تعالى-: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ.. وقال- تعالى- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ، فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ... «٢» .

وقال صاحب الكشاف: «فإن قلت: أى فرق بين قوله- تعالى- في سورة البقرة رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً ... «٣» .

وبين قوله هنا رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ... ؟.


(١) تفسير الفخر الرازي ج ١١ ص ١٣٥.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٣١.
(٣) الآية ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>