للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أرسلوا به من ذلك «١» .

والآية الكريمة معطوفة على كلام محذوف يفهم من السياق، والتقدير: وخرج الملائكة من عند إبراهيم- بعد أن بشروه بغلامه، وبعد أن أخبروه بوجهتهم- فاتجهوا إلى المدينة التي يسكنها لوط- عليه السلام- وقومه. فلما دخلوا عليه قال لهم: «إنكم قوم منكرون» .

أى: إنكم قوم غير معروفين لي، لأنى لم يسبق لي أن رأيتكم، ولا أدرى من أى الأقوام أنتم، ولا أعرف الغرض الذي من أجله أتيتم، وإن نفسي ليساورها الخوف والقلق من وجودكم عندي ...

ويبدو أن لوطا- عليه السلام- قد قال لهم هذا الكلام بضيق نفس، لأنه يعرف شذوذ المجرمين من قومه، ويخشى أن يعلموا بوجود هؤلاء الضيوف أصحاب الوجوه الجميلة عنده، فيعتدوا عليهم دون أن يملك الدفاع عنهم ...

وقد صرح القرآن الكريم بهذا الضيق النفسي، الذي اعترى لوطا بسبب وجود هؤلاء الضيوف عنده، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً، وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ «٢» .

وقال- سبحانه-: فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ مع أن المجيء كان للوط- عليه السلام- والخطاب كان معه، تشريفا وتكريما للمؤمنين من قوم لوط، فكأنهم كانوا حاضرين ومشاهدين لوجود الملائكة بينهم، ولما دار بينهم وبين لوط- عليه السلام-.

وقوله- سبحانه-: قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ. وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ.

حكاية لما رد به الملائكة على لوط، لكي يزيلوا ضيقه بهم، وكراهيته لوجودهم عنده.

وقوله يَمْتَرُونَ من الامتراء، وهو الشك الذي يدفع الإنسان إلى المجادلة المبنية على الأوهام لا على الحقائق.

وهو- كما يقول الإمام الفخر الرازي- مأخوذ من قول العرب: مريت الناقة والشاة إذا أردت حلبها، فكأن الشاك يجتذب بشكه مراء، كاللبن الذي يجتذب عند الحلب. يقال: قد مارى فلان فلانا، إذا جادله كأنه يستخرج غضبه» «٣» .


(١) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٦٢.
(٢) سورة هود الآية ٧٧.
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>