للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشيئته وإرادته، ولو شاء الله عدم فعلنا لهذه الأشياء لما فعلناها ومادام الله- تعالى- قد قضى علينا بها فما ذنبنا؟ ولماذا يعاقبنا عليها مادام قد شاءها لنا؟

استمع إلى القرآن الكريم وهو يحكى هذه الشبهة بأسلوبه الخاص فيقول: وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا، وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ....

أى: وقال الذين أشركوا، مع الله- تعالى- آلهة أخرى في العبادة، لنبيهم صلى الله عليه وسلم:

لو شاء الله- تعالى- لنا عبادته وحده لعبدناه نحن وآباؤنا الذين هم قدوتنا.

ولو شاء لنا ولآبائنا- أيضا- ألا نحرم شيئا مما حرمناه من البحائر والسوائب وغيرهما، لتمت مشيئته، ولما حرمنا شيئا لم يأذن به- سبحانه-.

ولكنه- عز وجل- لم يشأ ذلك، بل شاء لنا أن نشرك معه في العبادة هذه الأصنام، وأن نحرم بعض الأنعام، وقد رضى لنا ذلك، فلماذا تطالبنا يا محمد صلى الله عليه وسلم بتغيير مشيئة الله، وتدعونا إلى الدخول في دين الإسلام والذي لم يشأ لنا الله- تعالى- الدخول فيه؟

هذه حجتهم، ولا شك أنها حجة داحضة، لأنهم يحيلون شركهم وفسوقهم على مشيئة الله- تعالى- مع أن مشيئته- تعالى- لم يطلع عليها أحد من خلقه حتى يقولوا ما قالوا.

وإنما الذي أطلعنا عليه- سبحانه- أنه أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم لهدايتنا، ومنحنا العقول التي نميز بها بين الحق والباطل، فمن أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم سعد وفاز، ومن أعرض عن هدايته خسر وخاب، قال- تعالى-: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً. إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ، إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً «١» .

وقال- سبحانه: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ.. «٢» .

ولقد حكى- سبحانه- شبهة المشركين هذه في آيات أخرى ورد عليها، ومن ذلك قوله- تعالى- وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ «٣» .

وقوله- سبحانه-: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا، وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ، كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا، قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ


(١) سورة الإنسان الآيتان ٢، ٣.
(٢) سورة الكهف الآية ٢٩. [.....]
(٣) سورة الزخرف الآية ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>