للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله- سبحانه-: وَأَوْحى من الوحى، وهو هنا بمعنى الإلهام، وهو- كما يقول القرطبي- ما يخلقه الله- تعالى- في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر. ومنه قوله- تعالى-: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها. فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ومن ذلك إلهام البهائم لفعل ما ينفعها، وترك ما يضرها، وتدبير معاشها.. «١» .

وقال صاحب الكشاف: والإيحاء إلى النحل: إلهامها والقذف في قلوبها على وجه هو أعلم به، لا سبيل لأحد إلى الوقوف عليه، وإلا فتأنقها في صنعتها ولطفها في تدبير أمرها، وإصابتها فيما يصلحها دلائل شاهدة على أن الله- تعالى- أودعها علما بذلك وفطنها، كما أودع أولى العقول عقولهم.. «٢» .

والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ويشمل كل من يصلح للخطاب من الأمة الإسلامية.

والنحل: اسم جنس يفرق بينه وبين واحده بالتاء، ويطلق على الذكر والأنثى، وسمى بذلك لأن الله- تعالى- نحله أى منحه العسل الذي يخرج منه.

وقوله- سبحانه-: أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ بيان لما ألهمه الله النحل من أوامر. ولما كلفها به من أعمال.

و «أن» مفسرة لأن الإيحاء فيه معنى القول دون حروفه وما بعدها لا محل له من الإعراب، ويجوز بأن تكون مصدرية فيكون ما بعدها في محل نصب على تقدير الجار. أى:

بأن اتخذى.

والمعنى: وألهم ربك النحل وأرشدها وهداها إلى أن تتخذ من فجوات الجبال بيوتا تسكن فيها، وكذلك من تجاويف الأشجار ومما يرفعه الناس ويعرشونه من السقوف وغيرها.

يقال: عرش الشيء يعرشه- بكسر الراء وضمها- إذا رفعه عن الأرض، ومنه العريش الذي صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر لمشاهدة سير المعركة.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت ما معنى «من» في قوله أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ؟ وهلا قيل في الجبال وفي الشجر؟.

قلت: أريد معنى البعضية، وأن لا تبنى بيوتها في كل جبل، وكل شجر، وكل ما يعرش، ولا في كل مكان منها.


(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٣٣.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٦١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>