للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما بين حال القوم، أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها، وذكر أيضا من حالهم أن أكثرهم الكافرون أتبعه بالوعيد، فذكر حال يوم القيامة فقال:. وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ... وذلك يدل على أن أولئك الشهداء يشهدون عليهم بذلك الإنكار، وبذلك الكفر، والمراد بهؤلاء الشهداء: الأنبياء، كما قال- تعالى-:

فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً «١» .

والمعنى: واذكر- أيها العاقل لتعتبر وتتعظ- يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ أى: جماعة من الناس، «شهيدا» يشهد للمؤمن بالإيمان ويشهد على الكافر بالكفر.

قال ابن عباس: شهيد كل أمة نبيها يشهد لهم بالإيمان والتصديق، وعليهم بالكفر والتكذيب.

وقوله: ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بيان للمصير السيئ الذي ينتظر هؤلاء الكافرين يوم القيامة.

أى: ثم لا يؤذن للذين كفروا يوم القيامة في الاعتذار، عما كانوا عليه في الدنيا من عقائد زائفة، وأقوال باطلة، وأفعال قبيحة، كما قال- تعالى- في سورة أخرى: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ. وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ «٢» .

أو المعنى: ثم لا يؤذن لهم في الرجوع إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم من عقائد سليمة وأعمال صالحة، لأنهم قد تركوها ولا عودة لهم إليها. أى: ثم لا يؤذن لهم في الكلام، بعد أن ثبت بطلانه، وقامت عليهم الحجة والتعبير بثم للاشعار بأن مصيبتهم بسبب عدم قبول أعذارهم، أشد من مصيبتهم بسبب شهادة الأنبياء عليهم.


(١) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ٣٤٢.
(٢) سورة المرسلات الآيتان ٣٦، ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>