للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الحكم التي من أجلها أمر الإسلام بالعطف على اليتيم ونهى عن ظلمه، أنه إنسان ضعيف فقد الأب الحانى، والعائل والنصير منذ صغره..

فإذا نشأ في بيئة ترعاه وتكرمه.. شب محبا لمن حوله، وللمجتمع الذي يعيش فيه.

وإذا نشأ في بيئة تقهره وتذله وتظلمه.. نظر إلى من حوله، وإلى المجتمع الذي يعيش فيه، نظرة العدو إلى عدوه..

وكأنه يقول لنفسه: إذا كان الناس لم يحسنوا إلى في صغرى وفي حالة ضعفى، فلماذا أحسن إليهم في حال كبرى وقوتي!! وإذا كانوا قد حرموني حقي الذي منحه الله لي فلماذا أعطيهم شيئا من خيرى وبرى!!.

هذه بعض الأسباب التي من أجلها أمر الإسلام أتباعه برعاية اليتيم وإكرامه، وصيانة حقوقه من أى اعتداء أو ظلم.

وبعد أن نهى- سبحانه- عن الاقتراب من مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، أمر بالوفاء بالعهود فقال: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا.

والعهد: ما من شأنه أن يراعى ويحفظ، كالوصية واليمين. وعهد الله: أوامره ونواهيه وعهد الناس: ما يتعاهدون عليه من معاملات وعقود وغير ذلك مما تقتضيه شئون حياتهم.

أى: وأوفوا بالعهود التي بينكم وبين الله- تعالى-، والتي بينكم وبين الناس، بأن تؤدوها كاملة غير منقوصة، وأن تقوموا بما تقتضيه من حقوق شرعية. وقوله إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا تعليل لوجوب الوفاء بالعهد.

أى: كونوا أوفياء بعهودكم لأن صاحب العهد كان مسئولا عنه، أمام الله- تعالى- وأمام الناس، فالكلام على حذف مضاف كما في قوله- سبحانه- وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ.

وقال- سبحانه-: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ ... بالإظهار دون الإضمار للإشعار بكمال العناية بشأن الوفاء بالعهود.

ويجوز أن يكون المعنى: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا، أى: كان مطلوبا بالوفاء به وقد مدح الله- تعالى- الذين يوفون بعهودهم في آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-:

إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ. الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ «١» .

وقوله- تعالى-: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا، وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ


(١) سورة الرعد الآية ١٩، ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>