للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعقاب أمر الله- تعالى- لهم مباشرة، بدون تأخير أو تسويف.

وقوله- تعالى-: قالَ أَأَسْجُدُ ... استئناف بيانى، فكأنه قيل: فماذا كان موقف إبليس من هذا الأمر؟ فكان الجواب أن إبليس فسق عن أمر ربه وقال ما قال.

والاستفهام في أَأَسْجُدُ للإنكار والتعجب، لأن يرى- لعنه الله- أنه أفضل من آدم.

وقوله: طِيناً منصوب بنزع الخافض أى: من طين.

وقد جاء التصريح بإباء إبليس عن السجود لآدم، بأساليب متنوعة، وفي آيات متعددة، منها قوله- تعالى-: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ «١» .

وقوله- تعالى-: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ «٢» .

ثم فصل- سبحانه- ما قاله إبليس في اعتراضه على السجود لآدم فقال: قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ، لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا.

ورأى هنا علمية فتتعدى إلى مفعولين، أولهما هذَا والثاني محذوف لدلالة الصلة عليه، والكاف حرف خطاب مؤكد لمعنى التاء قبله، والاسم الموصول الَّذِي بدل من هذَا أو صفة له، والمراد من التكريم في قوله كَرَّمْتَ عَلَيَّ: التفضيل.

والمعنى: قال إبليس في الرد على خالقه- عز وجل-: أخبرنى عن هذا الإنسان المخلوق من الطين، والذي فضلته على، لماذا فضلته على وأمرتنى بالسجود له مع أننى أفضل منه، لأنه مخلوق من طين، وأنا مخلوق من نار!! وجملة هذا الذي كرمت على، واقعة موقع المفعول الثاني.

ومقصود إبليس من هذا الاستفهام، التهوين من شأن آدم- عليه السلام- والتقليل من منزلته. ولم يجبه- سبحانه- على سؤاله، تحقيرا له. وإهمالا لشخصه، بسبب اعتراضه على أمر خالقه- عز وجل-.

ثم أكد إبليس كلامه فقال: لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا.


(١) سورة البقرة الآية ٣٤.
(٢) سورة الحجر الآيتان ٣٠، ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>