للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخير: المال، وقالوا إنه هنا مختص بالمال الكثير، لأن مقام الوصية يشعر بذلك، ولم يرد نص من الشارع في تقدير ما يسمى مالا كثيرا، وإنما وردت آثار من بعض الصحابة والتابعين في تقديره بحسب اجتهادهم، وبالنظر إلى ما يسمى بحسب العرف مالا كثيرا فقال بعضهم:

من ألف درهم إلى خمسمائة درهم، وقال بعضهم: من ألف درهم إلى ثمانمائة درهم. والحق أن هذا التقدير يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والعرف.

ويرى بعض العلماء أن الوصية مشروعة في المال قليلة وكثيرة.

قال القرطبي: والوصية عبارة عن كل شيء يؤمر بفعله ويعهد به في الحياة وبعد الموت، وخصها العرف بما يعهد بفعله وتنفيذه بعد الموت والجمع وصايا كالقضايا جمع قضية. والوصي يكون الموصى والموصى إليه. وأصله من وصى مخففا. وتواصى النبت تواصيا إذا اتصل وأرض واصية: متصلة النبات. وأوصيت له بشيء. وأوصيت إليه إذا جعلته وصيك. والاسم الوصاية والوصاية- بالفتح وبالكسر- وتواصى القوم: أوصى بعضهم بعضا «١» .

والمعنى: كتب عليكم أيها المؤمنون أنه إذا ظهرت على أحدكم أمارات الموت: من مرض ثقيل، أو شيخوخة مضعفة، وكان عنده مال كثير قد جمعه عن طريق حلال، أن يوصى بجانب منه لوالديه وأقاربه رعاية لحقهم وحاجتهم، وأن تكون وصيته لهم بالعدل الذي لا مضارة فيه بين الأقارب، والوصية على هذا الوجه تعتبر حقا واجبا على المتقين الذين اتخذوا التقوى والخشية من الله طريفا لهم.

فالآية الكريمة استئناف لبيان الوصية بعد الحديث عن القصاص، وفصل القرآن الحديث عن الوصية عن سابقه للإشعار بأنه حكم مستقل جدير بالأهمية.

وقد جاء الحديث عن الوصية بتلك الطريقة الحكيمة، لتغيير ما كان من عادات بعض أهل الجاهلية، فإنهم كانوا كثيرا مانعون القريب من الإرث توهما منهم أنه يتمنى موت قريبة ليرثه، وربما فضلوا بعض الأقارب على بعض فيؤدى ذلك إلى التباغض والتحاسد، وربما فضلوا- أيضا- الوصية لغير الأقارب للفخر والتباهي، فشرع الإسلام لأتباعه ما يقوى الروابط ويمنع التحاسد والتعادي.

قال الجمل: وكتب فعل ماض مبنى للمجهول، وحذف الفاعل للعلم به وهو الله- تعالى- وفي القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يكون الوصية، أى: كتب عليكم الوصية، وجاز تذكير الفعل لكون القائم


(١) تفسير القرطبي ج ٢ ص ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>