للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الآلوسى: قوله- تعالى-: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ.. عود إلى شرح حال القرآن الكريم، فهو مرتبط بقوله: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ.. وهكذا طريقة العرب في كلامها، تأخذ في شيء وتستطرد منه إلى آخر، ثم إلى آخر، ثم إلى آخر، ثم تعود إلى ما ذكرته أولا، والحديث شجون ... » «١» .

والمراد بالحق الأول: الحكمة الإلهية التي اقتضت إنزاله، والمراد بالحق الثاني: ما اشتمل عليه هذا القرآن من عقائد وعبادات وآداب وأحكام ومعاملات ...

والباء في الموضعين للملابسة، والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير القرآن الذي دل الكلام على أن الحديث عنه.

والمعنى: وإن هذا القرآن ما أنزلناه إلا ملتبسا بالحق الذي تقتضيه حكمتنا، وما أنزلناه إلا وهو مشتمل على كل ما هو حق من العقائد والعبادات وغيرهما. فالحق سداه ولحمته، والحق مادته وغايته.

قال بعض العلماء: بين- جل وعلا- في هذه الآية الكريمة، أنه أنزل هذا القرآن بالحق، أى: ملتبسا به متضمنا له، فكل ما فيه حق، فأخباره صدق. وأحكامه عدل، كما قال- تعالى-: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ ... وكيف لا، وقد أنزله- سبحانه- بعلمه، كما قال- تعالى- لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ، وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً.

وقوله وَبِالْحَقِّ نَزَلَ يدل على أنه لم يقع فيه تغيير ولا تبديل في طريق إنزاله، لأن الرسول المؤتمن على إنزاله قوى لا يغلب عليه، حتى يغير فيه، أمين لا يغير ولا يبدل، كما أشار إلى هذا- سبحانه- بقوله: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ «٢» .


(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ١٨٧.
(٢) أضواء البيان ج ص ٥٧٥ للشيخ محمد الأمين الشنقيطى رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>