للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرى بعض العلماء أن الآية ليست من قبيل النسخ وإنما هي إرشاد إلى ما شرعه الله- تعالى- لعباده خلال شهر الصوم من إباحة غشيان أزواجهن ليلا. ومن جواز الأكل والشرب، حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وكأن الصحابة كانوا يتحرجون عن ذلك ظنا منهم أنه من تتمة الصوم، ورأوا أن لا صبر لأنفسهم عن الأكل والشرب والجماع ليلا، فبين الله لهم أن ذلك حلال لا حرج فيه.

وأصحاب هذا الرأى يستشهدون لذلك بما رواه البخاري عن البراء قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله- تعالى- عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ «١» . فالمقصود من الآية الكريمة عند هؤلاء رفع ما توهمه بعض الصحابة من أن الأكل أو الشرب أو الجماع لا يجوز ما داموا قد ناموا بعد فطرهم لأن الله- تعالى- رءوف رحيم بهم، ولم يشرع لهم ما فيه حرج أو مشقة عليهم.

وعلى كلا القولين فالآية الكريمة تسوق لنا لونا من ألوان رحمة الله- تعالى- بعباده فيما شرع لهم من فرائض وأحكام.

والمراد بليلة الصيام: الليلة التي يصبح فيها الإنسان صائما دون تحديد ليلة معينة من شهر رمضان، فالإضافة لأدنى ملابسة.

قال الجمل وقوله: لَيْلَةَ الصِّيامِ منصوب على الظرف، وفي الناصب له ثلاثة أقوال:

أحدها: وهو المشهور عند المعربين أنه أحل، وليس بشيء، لأن الإحلال ثابت قبل ذلك الوقت.

الثاني: أنه مقدر مدلول عليه بلفظ الرفث تقديره: أحل لكم أن ترفثوا ليلة الصيام.

الثالث: أنه متعلق بالرفث وذلك على رأى من يرى الاتساع في الظرف والمجرورات «٢» » .

والرفث في الأصل: الفحش من القول، وكلام النساء حين الجماع، كنى به عن المباشرة للزومه لها غالبا. يقال رفث في كلامه- كنصر وفرح وكرم- وأرفث، إذا أفحش فيه. والمراد به في الآية الجماع والمباشرة.

وعدى بإلى- مع أن المستعمل الشائع أن يقال: رفث بالمرأة- لتضمنه معنى الإفضاء كما في قوله- تعالى-: وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ.


(١) تفسير القرطبي ج ٢ ص ٣١٤.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>