للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حق. قالوا للمؤمنين على سبيل الاحتقار لهم: نحن وأنتم أينا خير من الآخر مكانا، وأحسن مجلسا ومجتمعا فهم يتفاخرون على المؤمنين بمساكنهم الفارهة، ومجالسهم التي يجتمع فيها أغنياؤهم ووجهاؤهم.

قال الجمل في حاشيته: «أى قالوا للمؤمنين: انظروا إلى منازلنا فتروها أحسن من منازلكم وانظروا إلى مجلسنا عند التحدث ومجلسكم، فترونا نجلس في صدر المجلس، وأنتم جالسون في طرفه الحقير. فإذا كنا بهذه المثابة وأنتم بتلك فنحن عند الله خير منكم، ولو كنتم على حق لأكرمكم الله بهذه الأمور كما أكرمنا بها» «١» .

وما حكاه الله- تعالى- عن هؤلاء الكافرين في هذه الآية، قد جاء ما يشبهه في آيات أخرى، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ «٢» .

وقد رد الله- تعالى- على هؤلاء الجاهلين المغرورين بقوله: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً.

وكَمْ هنا خبرية، ومعناها الاخبار عن العدد الكثير وهي في محل نصب على المفعول به لجملة أَهْلَكْنا ومِنْ قَرْنٍ تمييز لها. والقرن: اسم لأهل كل أمة تتقدم في الوجود على غيرها، مأخوذ من قرن الدابة لتقدمه فيها.

والأثاث المتاع للبيت. وقيل: هو الجديد من الفراش، وقد يطلق على المال بصفة عامة.

ورِءْياً أى: منظرا وهيئة ومرأى في العين مأخوذ من الرؤية التي تراها العين.

والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الكافرين المتباهين بمساكنهم ومجالسهم: لا تفتخروا ولا يغرنكم ما أنتم فيه من نعيم، فإنما هو نوع من الاستدراج، فإن الله- تعالى- قد أهلك كثيرا من الأمم السابقة عليكم، كانوا أحسن منكم متاعا وزينة، وكانوا أجمل منكم منظرا وهيئة فلم ينفعهم أثاثهم ورياشهم ومظهرهم الحسن، عند ما أراد الله- تعالى- إهلاكهم بسبب كفرهم وجحودهم.

فالآية الكريمة تهديد للكافرين المعاصرين للنبي صلّى الله عليه وسلّم ورد على أقوالهم الباطلة، وعنجهيتهم الذميمة إذ لو كانت المظاهر والأمتعة والهيئات الحسنة تنفع أصحابها، لنفعت أولئك المهلكين من الأمم السابقة.


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٧٤.
(٢) سورة سبأ الآية ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>