للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: اذهب يا موسى أنت وأخوك إلى حيث آمركما متسلحين بآياتى ومعجزاتي، ولا تضعفا أو تتراخيا في ذكرى وتسبيحي وتقديسي بما يليق بذاتى وصفاتي من العبادات والقربات.

فإن ذكركما لي هو عدتكما وسلاحكما وسندكما في كل أمر تقدمان عليه.

فالآية الكريمة تدعو موسى وهارون، كما تدعو كل مسلم في كل زمان ومكان إلى المداومة على ذكر الله- تعالى- في كل موطن، بقوة لا ضعف معها وبعزيمة صادقة لا فتور فيها ولا كلال.

وقد مدح- سبحانه- المداومين على تسبيحه وتحميده وتقديسه في كل أحوالهم فقال:

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ «١» .

قال صاحب الكشاف: قوله وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي الونى: الفتور والتقصير. أى لا تنسيانى ولا أزال منكما على ذكر حيث تقلبتما، واتخذا ذكرى جناحا تصيران به مستمدين بذلك العون والتأييد منى، معتقدين أن أمرا من الأمور لا يتمشى لأحد إلا بذكرى. ويجوز أن يريد بالذكر تبليغ الرسالة، فإن الذكر يقع على سائر العبادات، وتبليغ الرسالة من أجلها وأعظمها فكان جديرا بأن يطلق عليه اسم الذكر.. «٢» .

وقال ابن كثير: والمراد بقوله وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي أنهما لا يفتران في ذكر الله، بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون، ليكون ذكر الله عونا لهما عليه، وقوة لهما. وسلطانا كاسرا له، كما جاء في الحديث «إن عبدى كل عبدى الذي يذكرني وهو مناجز قرنه» «٣» .

ثم أرشدهما- سبحانه- إلى الوجهة التي يتوجهان إليها فقال: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى.

أى: اذهبا إلى فرعون لتبلغاه دعوتي، ولتأمراه بعبادتي، فإنه قد طغى وتجاوز حدوده، وأفسد في الأرض، وقال لقومه: أنا ربكم الأعلى. وقال لهم- أيضا- ما علمت لكم من إله غيرى.

قال الجمل: وقوله: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ جمعهما في صيغة أمر الحاضر مع أن هارون لم يكن حاضرا محل المناجاة بل كان في ذلك الوقت بمصر- للتغليب فغلب الحاضر على غيره، وكذا الحال في صيغة النهى. أى: قوله وَلا تَنِيا روى أنه- تعالى- أوحى إلى هارون


(١) سورة آل عمران الآيتان ١٩٠، ١٩١.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٦٥.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>