للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فركب فيها، وفي خلال سيرها في البحر ضاقت بركابها، فقال ربانها: إنه لا بد من أحد الركاب يلقى بنفسه في البحر لينجو الجميع من الغرق. فجاءت القرعة على يونس، فألقى بنفسه في اليم فالتقمه الحوت.. ثم نبذه إلى الساحل بعد وقت يعلمه الله- تعالى-، فأرسله- سبحانه- إلى قومه مرة أخرى فآمنوا.

وسيأتى تفصيل هذه القصة في سورة الصافات- بإذن الله-.

والمعنى: واذكر أيها المخاطب لتعتبر وتتعظ- عبدنا ذا النون. وقت أن فارق قومه وهو غضبان عليهم، لأنهم لم يسارعوا إلى الاستجابة له.

قال الجمل: وقوله: إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً أى: غضبان على قومه، فالمفاعلة ليست على بابها فلا مشاركة كعاقبت وسافرت، ويحتمل أن تكون على بابها من المشاركة، أى غاضب قومه وغاضبوه حين لم يؤمنوا في أول الأمر» «١» .

وقوله- تعالى-: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ بيان لما ظنه يونس- عليه السلام- حين فارق قومه غاضبا عليهم بدون إذن من ربه- عز وجل-.

أى: أن يونس قد خرج غضبان على قومه لعدم استجابتهم لدعوته فظن أن لن نضيق عليه، عقابا له على مفارقته لهم من غير أمرنا، أو فظن أننا لن نقضي عليه بعقوبة معينة في مقابل تركه لقومه بدون إذننا.

فقوله: نَقْدِرَ عَلَيْهِ بمعنى نضيق عليه ونعاقبه. يقال: قدر الله الرزق يقدره- بكسر الدال وضمها- إذا ضيقه. ومنه قوله- تعالى-: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ «٢» .

وقوله: وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ.. «٣» أى: ضيقه عليه.

ثم بين- سبحانه- ما كان يردده يونس وهو في بطن الحوت فقال: فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.

والفاء في قوله فَنادى فصيحة.

والمراد بالظلمات: ظلمات البحر، وبطن الحوت، والليل.

أى: خرج يونس غضبان على قومه. فحدث له ما حدث من التقام الحوت له، فلما صار


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ١٤٣.
(٢) سورة الرعد الآية ٢٦.
(٣) سورة الفجر الآية ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>