للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من غزوته تلك، وقفل ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، حتى جاوزت الجيش.

فلما قضيت من شأنى أقبلت إلى الراحلة، فلمست صدري، فإذا عقد لي قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فاحتبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري. وهم يحسبون أنى فيه. وكان النساء إذ ذاك خفافا، لم يثقلهن اللحم، فلم يستنكر القوم حين رفعوه خفة الهودج، فاحتملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما سار الجيش. فجئت منزلهم، وليس فيه أحد منهم فيممت منزلي الذي كنت فيه. وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إلى.

فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمى، قد عرّس- أى تأخر- من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتانى فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب.

فاستيقظت باسترجاعه حتى عرفني. فخمرت وجهى بجلبابي، والله ما كلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حين أناخ راحلته، فوطئ على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة. حتى أتينا الجيش، بعد ما نزلوا في نحو الظهيرة. فهلك من هلك في شأنى، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبى بن سلول..» «١» .

وقد افتتحت هذه الآيات الكريمة بقوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ.

والإفك: أشنع الكذب وأفحشه، يقال أفك فلان- كضرب وعلم- أفكا وإفكا، أى:

كذب كذبا قبيحا.

والعصبة: الجماعة من العشرة إلى الأربعين، من العصب وهو الشد، لأن كل واحد منها يشد الآخر ويؤازره.

أى: إن الذين قالوا ما قالوا من كذب قبيح، وبهتان شنيع، على السيدة عائشة- رضى الله عنها- هم جماعة ينتسبون إليكم- أيها المسلمون- بعضهم قد استزلهم الشيطان. -

كمسطح بن أثاثة- وبعضهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والنفاق- كعبد الله بن أبى بن سلول- وأتباعه.

وفي التعبير بقوله- تعالى- عُصْبَةٌ: إشعار بأنهم جماعة لها أهدافها الخبيثة، التي


(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٦ ص ١٨. وما بعدها ففيه جملة من الأحاديث في هذا الشأن.

<<  <  ج: ص:  >  >>