للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: إِذا رَأَتْهُمْ ... الضمير فيه يعود إلى «سعيرا» والتغيظ في الأصل:

إظهار الغيظ، وهو شدة الغضب الكامن في القلب.

والزفير: ترديد النفس من شدة الغم والتعب حتى تنتفخ منه الضلوع، فإذا ما اشتد كان له صوت مسموع.

والمعنى: أن هؤلاء الكافرين الذين كذبوا بالساعة، قد اعتدنا لهم بسبب هذا التكذيب نارا مستعرة، إذا رأتهم هذه النار من مكان بعيد عنها. سمعوا لها غليانا كصوت من اشتد غضبه، وسمعوا لها زفيرا. أى: صوتا مترددا كأنها تناديهم به.

فالآية الكريمة تصور غيظ النار من هؤلاء المكذبين تصويرا مرعبا، يزلزل النفوس ويخيف القلوب.

والتعبير بقوله- تعالى-: مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ يزيد هذه الصورة رعبا وخوفا، لأنها لم تنتظرهم إلى أن يصلوا إليها، بل هي بمجرد أن تراهم من مكان بعيد- والعياذ بالله- يسمعون تغيظها وزفيرها وغضبها عليهم، وفرحها بإلقائهم فيها.

قال الآلوسى: وإسناد الرؤية إليها حقيقة على ما هو الظاهر، وكذا نسبة التغيظ والزفير فيما بعد، إذ لا امتناع في أن يخلق الله تعالى النار حية مغتاظة زافرة على الكفار، فلا حاجة إلى تأويل الظواهر الدالة على أن لها إدراكا كهذه الآية، وكقوله- تعالى-: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ «١» . وقوله: صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري: «شكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضى بعضا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف..» «٢» .

ثم حكى- سبحانه- حالهم عند ما يستقرون فيها فقال: وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً.

أى: أن النار إن رأت هؤلاء المجرمين سمعوا لها ما يزعجهم ويفزعهم، وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً أى: وإذا ما طرحوا فيها في مكان ضيق منها، حالة كونهم مُقَرَّنِينَ أى:

مقيدين بالأغلال بعضهم مع بعض أو مع الشياطين الذين أضلوهم.

دَعَوْا هُنالِكَ أى: تنادوا هنالك في ذلك المكان بقولهم ثُبُوراً أى: هلاكا وخسرانا يقال فلان ثبره الله- تعالى- أى: أهلكه إهلاكا لا قيام له منه.


(١) سورة ق الآية ٣٠.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ٢٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>