للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن مادة لسخريتهم وتهكمهم، من الهجر- بضم الهاء- بمعنى الهذيان والقول الباطل، ومنه قوله- تعالى-: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ «١» .

وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على التخويف العظيم لمن يهجر القرآن الكريم. فلم يحفظه أو لم يحفظ شيئا منه، ولم يعمل بما فيه من حلال وحرام، وأوامر ونواه..

قال بعض العلماء هجر القرآن أنواع: أحدها: هجر سماعه وقراءته. وثانيها: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه.. وثالثها: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه.. ورابعها: هجر تدبره وتفهمه.. وكل هذا دخل في هذه الآية، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض «٢» .

وقوله- سبحانه-: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ.. تسلية للرسول صلى الله عليه وسلّم عما أصابه من قومه، وتصريح بأن ما أصابه قد أصاب الرسل من قبله، والبلية إذا عمت هانت. أى: كما جعلنا قومك- أيها الرسول الكريم- يعادونك ويكذبونك، جعلنا لكل نبي سابق عليك عدوا من المجرمين، فاصبر- أيها الرسول- كما صبر إخوانك السابقون.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً، وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ «٣» .

ثم شفع- سبحانه- هذه التسلية بوعد كريم منه- عز وجل- لنبيه صلّى الله عليه وسلّم فقال:

وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً.

أى: وكفى ربك- أيها الرسول الكريم- هاديا يهدى عباده إلى ما تقتضيه حكمته ومشيئته، وكفى به- سبحانه- نصيرا لمن يريد أن ينصره على كل من عاداه.

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك- وللمرة الخامسة- بعض شبهاتهم وأباطيلهم فقال:

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً....

أى: وقال الذين كفروا بالحق الذي جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم: هلا نزل هذا القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلّم جملة واحدة، دون أن ينزل مفرقا كما نراه ونسمعه.

وقولهم هذا دليل على سوء أدبهم فقد طلبوا ما لا يعنيهم. واقترحوا شيئا لا مدخل لهم فيه،


(١) سورة المؤمنون الآية ٦٧.
(٢) تفسير القاسمى ج ١٩ ص ٤٥٧٥، نقلا عن بدائع الفوائد للإمام ابن القيم.
(٣) سورة الأنعام الآية ١١٢. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>