للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما زالت مساكنهم تعرف إلى الآن بمدائن صالح، في المنطقة التي بين المدينة المنورة والشام، وقد مر النبي صلّى الله عليه وسلّم على ديارهم وهو متوجه إلى غزوة تبوك..

وقد نصح صالح قومه، بما نصح به هود ونوح قومهما من قبله، فقد أمرهم بتقوى الله وصارحهم بصدقه معهم، وبتعففه عن تعاطى الأجر على نصحه لهم.

ثم وعظهم بما يرقق القلوب، وبما يحمل العقلاء على شكر الله- تعالى- على نعمه فقال لهم: أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ ...

والاستفهام للإنكار. والطلع: اسم من الطلوع وهو الظهور، وأصله ثمر النخل في أول ما يطلع، وهو بعد التلقيح يسمى خلالا- بفتح الخاء- ثم يصير بسرا، فرطبا، فتمرا.

والهضيم: اليانع والنضيج، أو الرطب اللين اللذيذ الذي تداخل بعضه في بعض وهو وصف للطلع الذي قصد به الثمار الناضجة الطيبة لصيرورته إليها.

والمعنى: أتظنون أنكم متروكون بدون حساب أو سؤال من خالقكم- عز وجل- وأنتم تتقلبون في نعمه التي منها ما أنتم فيه من بساتين وأنهار وزروع كثيرة متنوعة.

إن كنتم تظنون ذلك، فأقلعوا عن هذا الظن، واعتقدوا بأنكم أنتم وما بين أيديكم من نعم، إلى زوال، وعليكم أن تخلصوا لخالقكم العبادة والشكر لكي يزيدكم من فضله..

فأنت ترى أن- صالحا- عليه السلام قد استعمل مع قومه أرق ألوان الوعظ، لكي يوقظ قلوبهم الغافلة، نحو طاعة الله- تعالى- وشكره، وقد استعمل في وعظه لفت أنظارهم إلى ما يتقلبون فيه من نعم تشمل البساتين والعيون، والزروع المتعددة، والنخيل الجيدة الطلع، اللذيذة الطعم، حتى لكأن ثمرها لجودته ولينه، لا يحتاج إلى هضم في البطون.

ثم ذكرهم بنعمة أخرى، وكرر عليهم الأمر بتقوى الله فقال: وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ.

وقوله: وَتَنْحِتُونَ معطوف على تُتْرَكُونَ فهو داخل في حيز الإنكار عليهم، لعدم شكرهم لله- تعالى- والنحت: البرى. يقال: نحت فلان الحجر نحتا إذا براه وأعده للبناء.

وفارِهِينَ أى: ماهرين حاذقين في نحتها. من فره- ككرم- فراهة. إذا برع في فعل الشيء، وعرف غوامضه ودقائقه.

قال القرطبي: وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فرهين بغير ألف في الفاء. وهي بمعنى واحد.. وفرق بينهما قوم فقالوا: فارِهِينَ أى حاذقين في تحتها ... وفرهين- بغير

<<  <  ج: ص:  >  >>