للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفاء في قوله- تعالى- فَلا تَدْعُ.. فصيحة، والخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم على سبيل طلب الازدياد من إخلاص العبادة لله- تعالى-.

أى: إذا علمت- أيها الرسول الكريم- ما أخبرناك به، فأخلص العبادة لنا، واحذر أن تعبد مع الله- تعالى- إلها آخر، فتكون من المعذبين.

وخوطب صلّى الله عليه وسلّم بهذه الآية وأمثالها، مع أنه أخلص الناس في عبادته لله- تعالى-، لبيان أن الشرك أقبح الذنوب وأكبرها وأنه لو انحرف إليه- على سبيل الفرض- أشرف الخلق وأكرمهم عند الله- تعالى- لعذبه- سبحانه- على ذلك، فكيف يكون حال غيره ممن هم ليسوا في شرفه ومنزلته.

لا شك أن عذابهم سيكون أشد، وعقابهم سيكون أكبر.

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن ينذر أقرب الناس إليه، ليكونوا قدوة لغيرهم. وليعلموا أن قرابتهم للرسول صلّى الله عليه وسلّم لن تنجيهم من عذاب الله، ما استمروا على شركهم، فقال- تعالى-: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ.

والعشيرة: أهل الرجل الذين يتكثر بهم، والْأَقْرَبِينَ هم أصحاب القرابة القريبة كالآباء والأبناء والإخوة والأخوات، والأعمام والعمات وما يشبه ذلك.

وقد ذكر المفسرون أحاديث متعددة، فيما فعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد نزول هذه الآية، منها: ما أخرجه الشيخان عن ابن عباس قال: لما أنزل الله- تعالى- هذه الآية: أتى النبي صلى الله عليه وسلّم الصفا فصعد عليه ثم نادى: يا صباحاه، وهي كلمة يقولها المستغيث أو المنذر لقومه- فاجتمع الناس إليه، بين رجل يجيء إليه، وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يا بنى عبد المطلب، يا بنى فهر، يا بنى لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح الجبل تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم. قال: «فإنى نذير لكم بين يدي عذاب شديد» .

فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، أما دعوتنا إلا لهذا، وأنزل الله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ «١» .

قال الآلوسى: ووجه تخصيص عشيرته الأقربين بالذكر مع عموم رسالته صلّى الله عليه وسلّم: دفع توهم المحاباة، وأن الاهتمام بشأنهم أهم، وأن البداءة تكون بمن يلي ثم من بعده.. «٢» .


(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٦ ص ١٧٦. فقد ساق جملة من الأحاديث في هذا المعنى.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٩ ص ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>