للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي تفسير النعم الظاهرة والباطنة أقوال أخرى، نرى أن ما ذكرناه أوجهها وأجمعها «١» .

ثم بين- سبحانه- ما عليه بعض الناس من جدال بالباطل فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلا هُدىً، وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ.

وقوله: يُجادِلُ من الجدال بمعنى المفاوضة على سبيل المخاصمة والمنازعة والمغالبة.

مأخوذ من جدلت الحبل، إذا أحكمت فتله، فكأن المتجادلين يحاول كل واحد منهما أن يقوى رأيه، ويضعف رأى صاحبه.

والمراد من المجادلة في الله: المجادلة في ذاته وصفاته وتشريعاته..

وقوله: بِغَيْرِ عِلْمٍ حال من الفاعل في يُجادِلُ، وهي حال موضحة لما تشعر به المجادلة هنا من الجهل والعناد. أى: ومن الناس قوم استولى عليهم الجهل والعناد، لأنهم يجادلون وينازعون في ذات الله، وفي صفاته، وفي وحيه، وفي تشريعاته.. بغير مستند من علم عقلي أو نقلي، وبغير «هدى» يهديه ويرشده إلى الحق، وبغير كِتابٍ مُنِيرٍ أى: وبغير وحى ينير عقله وقلبه، ويوضح له سبيل الرشاد.

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد جردت هذا المجادل، من أى مستند يستند إليه في جداله، سواء أكان هذا المستند عقليا أم نقليا، بل أثبتت له الجهالة من كل الجهات.

ثم بين- سبحانه- أن هؤلاء المجادلين بالباطل، لم يكتفوا بذلك، بل أضافوا إلى رذائلهم السابقة رذائل أخرى منها العناد والتقليد الأعمى، فقال وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ ... أى: وإذا قيل لهؤلاء المجادلين بالباطل اتبعوا ما أنزله الله- تعالى- على نبيه صلى الله عليه وسلّم من قرآن كريم، ومن وحى حكيم.

قالُوا على سبيل العناد والتقليد الأعمى بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا من عبادة الأصنام والأوثان، والسير على طريقتهم التي كانوا يسيرون عليها.

وقوله- سبحانه-: أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ رد عليهم، وبيان لبطلان الاعتماد في العقيدة على مجرد تقليد الآباء.

والهمزة للاستفهام الإنكارى، والواو للحال. أى: أيتبعون ما كان عليه آباؤهم، والحال أن هذا الاتباع هو من وحى الشيطان الذي يقودهم إلى ما يؤدى إلى عذاب السعير.

قال الآلوسى: وفي الآية دليل على المنع من التقليد لمن قدر على النظر. وأما اتباع الغير


(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢١ ص ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>