للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عباس: لم يفرض الله- تعالى- فريضة إلا جعل لها حدا معلوما، ثم عذر أهلها في حال العذر، غير الذكر، فإن الله- تعالى- لم يجعل له حدا ينتهى إليه، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله، وأمرهم به في الأحوال كلها. فقال- تعالى-: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ.. وقال- سبحانه-: فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ.. أى: بالليل وبالنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال.. «١» .

وقوله: وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا معطوف على اذْكُرُوا ... والتسبيح: التنزيه.

مأخوذ من السبح، وهو المر السريع في الماء أو في الهواء. فالمسبح مسرع في تنزيه الله وتبرئته من السوء. والبكرة: أول النهار. والأصيل: آخره.

أى: أكثروا- أيها المؤمنون- من ذكر الله- تعالى- في كل أحوالكم، ونزهوه- سبحانه- عن كل ما لا يليق به، في أول النهار وفي آخره.

وتخصيص الأمر بالتسبيح في هذين الوقتين، لبيان فضلهما، ولمزيد الثواب فيهما، وهذا لا يمنع أن التسبيح في غير هذين الوقتين له ثوابه العظيم عند الله- تعالى-.

- وأيضا- خص- سبحانه- التسبيح بالذكر مع دخوله في عموم الذكر، للتنبيه على مزيد فضله وشرفه..

قال صاحب الكشاف: والتسبيح من جملة الذكر. وإنما اختصه- تعالى- من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة، ليبين فضله على سائر الأذكار، لأن معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات والأفعال.. «٢» .

وقوله- سبحانه-: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ.. استئناف جار مجرى التعليل لما قبله، من الأمر بالإكثار من الذكر ومن التسبيح.

والصلاة من الله- تعالى- على عباده معناها: الرحمة بهم، والثناء عليهم، كما أن الصلاة من الملائكة على الناس معناها: الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة.

قال القرطبي: قوله- تعالى-: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ.. قال ابن عباس: لما نزل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ... قال المهاجرون والأنصار: هذا لك يا رسول الله خاصة، وليس لنا فيه شيء، فأنزل الله هذه الآية.


(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٤٢٦.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>