للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للناس إذا كانوا يقعون فيه ويعرضون له بالمكروه. قال الشاعر:

دعوني أنح وجدا كنوح الحمائم ... ولا تجعلوني عرضة للوائم

يريد اتركوني أنح من الشوق ولا تجعلوني معرضا للوم اللوائم.

والأيمان: جمع يمين وتطلق بمعنى الحلف والقسم، واصل ذلك أن العرب كانوا إذا أرادوا توثيق عهودهم بالقسم يقسمونه وضع كل واحد من المتعاهدين يمينه في يمين صاحبه، و «تبروا» من البر وهو الأمر المستحسن شرعا.

والمعنى على الوجه الأول: لا تجعلوا الحلف بالله- أيها المؤمنون- حاجزا ومانعا عن البر والتقوى والإصلاح بين الناس، وذلك أن بعض الناس كان إذا دعى إلى فعل الخير وهو لا يريد أن يفعله يقول: حلفت بالله ألا أفعله فنهاهم الله- تعالى- عن سلوك هذا الطريق.

وهذا المعنى هو الذي رجحه كثير من المفسرين لأنه هو المناسب لما يجيء بعد ذلك من قوله- تعالى-: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ووجه المناسبة أن الله- تعالى- يكره للمؤمن أن يجعل الحلف به مانعا من رجوعه إلى أهله ولأن هناك أحاديث كثيرة تحض من حلف على ترك أمر من أمور الخير أن يكفر عن يمينه وأن يأتى الأمر الذي فيه خير، ومن هذه الأحاديث ما جاء في الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنى والله إن شاء الله، لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها» «١» .

وروى مسلّم في صحيحه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير» «٢» .

وشبيه بهذه الآية في النهى عن الحلف على ترك فعل الخير قوله- تعالى- في شأن سيدنا أبى بكر عند ما أقسم ألا ينفق على قريبه الذي خاض في شأن ابنته عائشة وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ «٣» .

فالآية على هذا الوجه تنهى المؤمن عن المحافظة على اليمين إذا كانت هذه اليمين مانعة من فعل الخير.

واللام في قوله: لِأَيْمانِكُمْ متعلق بعرضة، وقوله أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا مفعول


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٢٦٦.
(٢) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٢٦٦.
(٣) سورة النور الآية ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>