للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعبر عن الطلب بصيغة الخبر، للإشعار بأن إرضاع الأم لطفلها عمل توجبه الفطرة، وتنادى به طبيعة الأمومة.

قال الجمل: وهذا الأمر للندب وللوجوب، فهو يكون للندب عند استجماع شروط ثلاثة، قدرة الأب على استئجار المرضع، ووجود من يرضعه غير الأم، وقبول الولد للبن الغير. ويكون للوجوب عند فقد أحد هذه الشروط» «١» .

وليس التحديد بالحولين للوجوب، لأنه يجوز الفطام قبل ذلك، بدليل قوله: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وإنما المقصود بهذا التحديد قطع التنازع بين الزوجين إذا تنازعا في مدة الرضاع، فإذا اتفق الأب والأم على أن يفطما ولدهما قبل تمام الحولين كان لهما ذلك إذا لم يتضرر الولد بهذا الفطام، وإن أراد الأب أن يفطمه قبل الحولين ولم ترض الأم أو العكس لم يكن لأحدهما ذلك.

قال القرطبي ما ملخصه: وقد انتزع مالك- رحمه الله- ومن تابعه وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين، لأنه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة.. لقوله- تعالى-: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ فهذا يدل على ألا حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين.

وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا رضاع إلا ما كان في الحولين» وهذا الخبر مع الآية ينفى رضاعة الكبير وأنه لا حرمة له. وقد روى عن عائشة القول به، وروى عن أبى موسى الأشعرى أنه كان يرى رضاع الكبير. وروى عنه الرجوع عنه.

وسيأتى تحقيق هذه المسألة في سورة النساء» «٢» .

وفي وصف الحولين بكاملين، تأكيد لرفع توهم أن يكون المراد حولا وبعض الثاني، لأن إطلاق التثنية والجمع في الأزمان والأسنان على بعض المدلول إطلاق شائع عند العرب.

فيقولون: هو ابن سنتين، ويريدون سنة وبعض الثانية.

وفي هذه الجملة الكريمة وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ بيان لمظهر من مظاهر رعاية الله- تعالى- للإنسان منذ ولادته، بل منذ تكوينه في بطن أمه جنينا، فقد أمر- سبحانه- الأمهات أن يقمن بإرضاع أولادهن في تلك المدة، لأن لبن الأم هو أفضل غذاء لطفلها في هذه الفترة، وأسلّم وسيلة لضمان صحته ونموه، ولصيانته من الأمراض النفسية والعقلية، فقد أثبت الأطباء الثقاة أن الطفل كثيرا ما يصاب بأمراض جسمية ونفسية وعقلية


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ١٨٨.
(٢) تفسير القرطبي ج ٣ ص ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>