للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالوا: بلى يا أبا الوليد، فقم إليه فكلمه. فقام إليه عتبة فقال: «يا محمد، يا بن أخى، إنك منا حيث قد علمت من السلطة- أى من الشرف- في العشيرة وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع منى أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل بعضها.

ثم قال: إن كنت- يا بن أخى- تريد ما لا أعطيناك من المال حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد ملكا جعلناك ملكا علينا.. وإن كان الذي يأتيك رئيا تراه- أى ترى بعض الجن- طلبنا لك الطب حتى تبرأ.

فلما فرغ عتبة قال صلّى الله عليه وسلم: «أفرغت يا أبا الوليد؟» قال: نعم. قال: «فاسمع منى» قال: افعل. فتلا عليه النبي صلّى الله عليه وسلم من أول سورة «فصلت» .

- وفي رواية أنه لما بلغ قوله- تعالى-: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ ... قال له عتبة: حسبك ما عندك غير هذا.

ثم عاد عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: لقد جاءكم عتبة بوجه غير الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا له: ما وراءك يا أبا الوليد؟

فقال: لقد سمعت من محمد صلّى الله عليه وسلم قولا ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالسحر، ولا بالشعر، ولا بالكهانة. يا معشر قريش، أطيعونى واجعلوها لي، خلّوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ.

فقالوا: لقد سحرك محمد صلّى الله عليه وسلم فقال: «هذا رأيى فيه فاصنعوا ما بدا لكم» «١» .

فقوله- تعالى-: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ تهديد لهؤلاء المشركين، بعد أن وضح الحق لهم في أكمل صورة..

والصاعقة- كما يقول ابن جرير-: كل أمر هائل رآه الرائي أو عاينه أو أصابه. حتى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب وذهاب عقل، يكون مصعوقا.. «٢» .

والمراد بها هنا: العذاب الشديد الذي أنزله الله- تعالى- على قوم عاد ثمود فصعقهم وأهلكهم.


(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ١٥٢.
(٢) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>