للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله- سبحانه-: يَعْشُ أى: يعرض. يقال عشا فلان يعشو، كدعا يدعو، وعشى يعشى، كرضى يرضى، إذا ضعف بصره، ومنه قولهم: ناقة عشواء، إذا كانت لا تبصر إلا شيئا قليلا، والمراد هنا: عمى البصيرة وضعف إدراكها للخير. ومنه قولهم: ركب فلان العشواء، إذا خبط أمره على غير هدى أو بصيرة.

والمعنى: ومن يتعام عن ذكر الرحمن، ويعرض عن قرآنه، ويتجاهل هدى الرسول صلّى الله عليه وسلّم نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً أى، نهيئ ونسبب له شيطانا رجيما يستولى عليه، ويستحوذ على قلبه وعقله.

فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ أى: فذلك الشيطان يكون ملازما ومصاحبا لهذا الإنسان الذي أعرض عن القرآن، ملازمة القرين لقرينه، والشيء لظله.

ومن الآيات التي تشبه هذه الآية قوله- تعالى-: وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ، وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ «١» .

ثم بين- سبحانه- الآثار التي تترتب على مقارنة الشيطان للإنسان فقال: وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ.

والضمير في وَإِنَّهُمْ يعود إلى الشيطان باعتبار جنسه، وفي قوله- تعالى- لَيَصُدُّونَهُمْ يعود إلى وَمَنْ في قوله وَمَنْ يَعْشُ ... باعتبار معناها.

أى: ومن يعرض عن طاعة الله، نهيئ له شيطانا، فيكون ملازما له ملازمة تامة، وإن هؤلاء الشياطين وظيفتهم أنهم يصدون هؤلاء الفاسقين عن ذكر الله- تعالى-، وعن سبيله الحق وصراطه المستقيم.


(١) سورة فصلت الآية ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>