للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما في السموات والأرض من نعم لا تعد ولا تحصى، وكلها منه- تعالى- وحده، لا من أحد سواه.

فقوله: جَمِيعاً حال من وَما فِي الْأَرْضِ، أو تأكيد له. والضمير في قوله- تعالى- مِنْهُ يعود إلى الله- عز وجل-، والجار والمجرور حال من ما أيضا، أى: جميعا كائنا منه- تعالى- لا من غيره.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى مِنْهُ في قوله: جَمِيعاً مِنْهُ؟ وما موقعها من الإعراب؟.

قلت: هي واقعة موقع الحال. والمعنى: أنه سخر هذه الأشياء كائنة منه وحاصلة من عنده. يعنى أنه مكونها وموجدها بقدرته وحكمته، ثم سخرها لخلقه. ويجوز أن يكون خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هي جميعا منه «١» .

إِنَّ فِي ذلِكَ المذكور من تسخير البحر وما في السموات والأرض لكم لَآياتٍ ساطعات، وعلامات واضحات، ودلائل بينات، على وحدانية الله- تعالى- وقدرته وفضله لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ في هذه النعم، ويحسنون شكرها.

وخص المتفكرين بالذكر، لأنهم هم الذين ينتفعون بما بين أيديهم من نعم، إذ بالتفكر السليم ينتقل العاقل من مرحلة الظن، إلى مرحلة اليقين، التي يجزم معها بأن المستحق للعبادة والحمد، إنما هو الله رب العالمين.

ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يحض المؤمنين على التجاوز والصفح، عما يصدر من المشركين من كلمات بذيئة، ومن أفعال قبيحة، حتى يأتى الله بأمره.. فقال- تعالى-:

قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ.

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها: ما روى عن ابن عباس أنها نزلت في عمر بن الخطاب، شتمه مشرك بمكة قبل الهجرة فهمّ أن يبطش به، فنزلت «٢» .

ومقول القول محذوف لأن الجواب دال عليه. والرجاء هنا: بمعنى الخوف. والمراد بأيام الله: وقائعه بأعدائه.

أى: قل- أيها الرسول الكريم- لأتباعك المؤمنين، على سبيل النصح والإرشاد، قل


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٨٨.
(٢) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٥ ص ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>