للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعرضين عن استماع القرآن حين يتلى عليهم إلى الإنصات والتدبر، لأنه يطرق أسماعهم في أول التلاوة بألفاظ غير مألوفة في مجاري كلامهم.

وذلك مما يلفت أنظارهم، ليتبينوا ما يراد منها، فيسمعوا حكما وحججا ومواعظ من شأنها أنها تهديهم إلى الحق، لو كانوا يعقلون.

وقد سبق أن بينا- بشيء من التفصيل- آراء العلماء في هذه الحروف المقطعة «١» .

وقوله- تعالى-: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ بيان لمصدر هذا القرآن، وأنه من عند الله- تعالى-، لا من عند غيره.

أى: أن هذا القرآن منزل من عند الله- تعالى- الْعَزِيزِ أى: صاحب العزة الغالبة، والسلطان القاهر الْحَكِيمِ في كل أقواله وأفعاله وتصريفه لشئون خلقه.

ثم بين- سبحانه- أنه لم يخلق هذا الكون عبثا، فقال: ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى....

وقوله: إِلَّا بِالْحَقِّ استثناء مفرغ من أهم الأحوال، وهو صفة لمصدر محذوف، وقوله: وَأَجَلٍ مُسَمًّى معطوف على «الحق» والكلام على تقدير مضاف محذوف.

أى: ما خلقنا هذا الكون بسمائه وأرضه وما بينهما من مخلوقات لا يعلمها إلا الله، ما خلقنا كل ذلك إلا خلقا ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل وبالحكمة التي اقتضتها إرادتنا ومشيئتنا..

وما خلقنا كل ذلك- أيضا- إلا بتقدير أجل معين، هو يوم القيامة الذي تفنى عنده جميع المخلوقات.

فالمراد بالأجل المسمى: يوم القيامة الذي ينتهى عنده آجال الناس، ويقفون بين يدي الله- تعال- للحساب والجزاء.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا. ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ «٢» .

وقوله- سبحانه-: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ. ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ... «٣» .


(١) راجع تفسيرنا لسور البقرة والأعراف ويونس.
(٢) سورة ص الآية ٢٧.
(٣) سورة الدخان الآيتان ٣٨، ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>