للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقصة نوح- عليه السلام- مع قومه، قد وردت بصورة أكثر تفصيلا في سور أخرى.

كسورة هود، والمؤمنون، ونوح، والأعراف.

ولكنها جاءت هنا- كغيرها من القصص- بصورة حاسمة قاصمة، تزلزل النفوس، وتفتح العيون على مصارع الغابرين، لكي يعتبر الكافرون، وينتهوا عن كفرهم.

قال الآلوسى: قوله: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ... شروع في تعداد بعض ما ذكر من الأنباء الموجبة للانزجار، ونوع تفصيل لها، وبيان لعدم تأثرهم بها، تقريرا لفحوى قوله:

فَما تُغْنِ النُّذُرُ.

والفعل «كذبت» منزل منزلة اللازم. أى: فعل التكذيب قبل قومك قوم نوح.. «١» .

وفي هذه الجملة الكريمة تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم لأن المصيبة إذا عمت خفت، وشبيه بهذه الآية قوله- سبحانه-: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ....

وأسند- سبحانه- التكذيب إلى جميع قوم نوح- عليه السلام-. لأن الذين آمنوا به منهم عدد قليل، كما قال- تعالى-: في سورة هود: وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ.

وقوله- تعالى-: فَكَذَّبُوا عَبْدَنا تأكيد لتكذيبهم له- عليه السلام-، فكأنه- سبحانه- يقول: إن قوم نوح- عليه السلام- قد أصروا على تكذيبهم لعبدنا ونبينا، وتواصوا بهذا التكذيب فيما بينهم، حتى لكأن الكبار قد أوصوا به الصغار.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى قوله: فَكَذَّبُوا عَبْدَنا بعد قوله:

كَذَّبَتْ؟ قلت معناه: كذبوا فكذبوا عبدنا. أى: كذبوه تكذيبا على عقب تكذيب، كلما مضى منهم قرن مكذب، تبعهم قرن مكذب.

أو معناه: كذبت قوم نوح الرسل، فكذبوا عبدنا، أى: لما كانوا مكذبين بالرسل،


(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>