للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: وذكر ابن المبارك قال: حدثنا صفوان عن سليم بن عامر قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: إنه لينفعنا الأعراب ومسائلهم. قال: أقبل أعرابى يوما فقال: يا رسول الله، لقد ذكر الله في القرآن: شجرة مؤذية، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذى صاحبها؟

فقال صلى الله عليه وسلم: وما هي؟ قال: السدر، فإن له شوكا مؤذيا، فقال: صلى الله عليه وسلم: ألم يقل الله- تعالى- فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ؟ خضد الله- تعالى- شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة «١» .

وقوله- تعالى-: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ بيان لنعمة ثانية. والطلح: قالوا هو شجر الموز.

واحدة طلحة، والمنضود: المتراكب بعضه فوق بعض، بحيث صار ثمره متراصا على هيئة جميلة تسر الناظرين.

فقوله مَنْضُودٍ اسم مفعول من النضد وهو الرص. يقال نضد فلان متاعه، - من باب ضرب- إذا وضع بعضه فوق بعض بطريقة منسقة جميلة، ومنه قوله- تعالى-:

وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ.

وقوله- سبحانه-: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ أى: متسع منبسط، بحيث لا يزول كما يزول الظل في الدنيا، ويحل محله ضوء الشمس.

أخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها عاما- وفي رواية مائة عام- اقرءوا إن شئتم وَظِلٍّ مَمْدُودٍ «٢» .

وقوله- سبحانه- وَماءٍ مَسْكُوبٍ أى: وفيها ماء كثير مصبوب يجرى على الأرض، ويأخذون منه ما شاءوا، بدون جهد أو تعب.

يقال: سكب فلان الماء سكبا، إذا صبه بقوة وكثرة.

وقوله- تعالى-: وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ، لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ أى: وهم بجانب كل ذلك يتلذذون في الجنة بفاكهة كثيرة، هذه الفاكهة ليست مقطوعة عنهم في وقت من الأوقات، ولا تمتنع عن طالبها متى طلبها.

وجمع- سبحانه- بين انتفاء قطعها ومنعها، للإشعار بأن فاكهة الجنة ليست كفاكهة الدنيا


(١) تفسير القرطبي ج ١٧ ص ٢٠٧.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>